كانت لدى اليمنيين في الشمال حروبهم المحلية الخاصة التي تشغلهم عن مجرد التفكير بالحرب العالمية الأولى، ومرت بسنواتها دون أن يلحظوا التغييرات الكبيرة التي تنتظر العالم باستثناء معاناتهم جراء تكدس مادتي البن والجلود التي كانوا يصدرونها إلى الولايات المتحدة الأمريكية مقابل حصولهم على الكيروسين والأقمشة القطنية، ومع توقف تلك الحركة التجارية التي بدأت أوائل 1904 توقفت حركة تحسن الحياة المعيشية الطفيف للعاملين في هذه التجارة. أما بالنسبة للوضع في جنوب اليمن فقد كان مختلفاً، إذ كان هناك اهتمام على المستوى الرسمي المتمثل بحكومة الاستعمار البريطاني والسلاطين والمستوى الشعبي المتمثل بالمواطنين الذين انقسموا إما مؤيدين للطرف الذي توجد فيه بريطانيا الدولة المستعمرة لعاصمتهم عدن أو متعاطفين مع الطرف الآخر الذي تمثله الدولة العثمانية. ومع ذلك لم يضعوا أي بصمة تذكر في هذا التعاطف بقدر مؤيدي بريطانيا الذين جمعوا الأموال وفتحوا التبرعات لمساندتها وبخاصة - كما تقول المراسلات - أهالي حضرموت. ومع عدم الاهتمام بما يدور خلف البحار إلا أن الآثار والتغيرات في السياسات بدأت تتوالى وتضع مرحلة جديدة، فتركزت معظم الآثار في مدينة عدن التي نجحت في تجنب الحرب المباشرة ولم تتكالب عليها أساطيل المتقاتلين الذين حذر منهم سلطان لحج مخاطباً العثمانيين الموجودين في الشمال بأن يكفوا عن أي تفكير بمهاجمة المملكة المتحدة في عدن وإيقاف الحملة التي قادها علي سعيد باشا نحو عدن وهي حملة ستجلب على اليمنيين الويل وتجرهم إلى معركة ليس لهم بها ناقة ولا جمل وستحضر المزيد من أساطيل إنجلترا إلى سواحل عدن لمواجهة العثمانيين المتحالفين مع الألمان. ومع نهاية الحرب العالمية الأولى تفتحت المدارك السياسية للشمال اليمني ووضع وزير خارجية الحكم الإمامي راغب بيه خطة للاستفادة من التطلعات الجديدة للدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وهي تطلعات خلقتها الحرب، ومع ذلك لم تفلح كثير من تلك الجهود بإقناع الإمام يحيى بخلق تحالفات تخرج البلاد من عزلتها، ما دفع وزير الخارجية ذي الجنسية التركية للتعبير عن خيبة أمله واعتبار أن ما يقوم به الإمام وأبناؤه كسراً لجهوده الهادفة إلى خدمة الشعب اليمني، فبعد أن كان يفتح الأبواب للعلاقات الدولية ويمهد للاتفاقيات التي يصوغها بصورة قائمة على المصالح المشتركة تأتي الوفود للتوقيع فيعرض الإمام عنهم ويطرح شرطاً يخصه هو، وهو الاعتراف به وبحقه بالحكم كما حدث مع الولايات المتحدة التي حاول إقناعها بالاعتراف به قبل أي اتفاق ينفع البلاد، وحين لم يتسنَ له ذلك اندفع إلى الإيطاليين وفتح معهم تعاوناً بتوقيع اتفاقية 1926 التي كان من أهدافها الرئيسة الحصول على السلاح لمحاربة التمردات القبلية الداخلية وترسيخ حكمه المضطرب دائماً والذي لم يشجع الخارج على الاعتراف به رسمياً ومساعدة شعبه. ثم جاءت تطلعات التعاون مع الاتحاد السوفيتي ووقعت معهم اتفاقية فبراير 1928 سميت معاهدة صنعاء وهدفت لتوسيع التبادل التجاري وفتح الأسواق اليمنية أمام البضائع الروسية ومن وقت لآخر كان يتم استقبال بعثة الأمريكي تشارلز كرين التي بدأت زياراتها منذ 1927- ومع التسارع في العلاقات المحدودة والمحاطة بالحذر مع الدول الأجنبية لم يحدث انفتاح حقيقي في البلاد إلا عقب قيام ثورة سبتمبر 1962. بنادق الحرب ومن أطرف الآثار التي خلفتها الحرب العالمية على ما كان يعرف باليمن الشمالي والتي لم تصل إليها المعلومات الكافية عن حجم المأساة، بدأت الحرب تعبر عن نفسها وبدأ اليمنيون يحصلون على بنادق استخدمت في تلك الحرب ونسبوا إليها الكثير من أسلحتهم الشخصية وما زالوا إلى اليوم يحتفظون بالبنادق القديمة التي ورثوها عن أجدادهم باعتبارها مما خلفته الحرب العالمية الأولى، ويقولون إنها استخدمت لأول مرة وتحمل هذه البنادق أسماء محلية منها الجرمل والشيكي والفرنساوي والخشبي وغيرها من الأسماء التي توحي بقدمها، ويستمر الاحتفاظ بها رغم عدم توافر الرصاص الخاص بها، وتحظى باهتمام بالغ لدى بعض الأسر كنوع من الموروث القديم لحرب لم يعرفوا عنها الكثير. وكانت أولى الاتفاقيات التي جلبت السلاح إلى اليمن مع إيطاليا وبموجبها تم الاتفاق على توفير مصنع سلاح تم استخدامه في مواجهة التمردات محلياً وقمع المطالب المختلفة.
مشاركة :