قال الدكتور سليمان بلهجته: «يخرب عقلك يا دكتور حسان دانت بتئول كلام خطير». * وعقّب الدكتور منصور قائلاً: رغماً عن عدم قناعتي التامة بما تقول، فلماذا لا تعلن هذه النظرية، فهي قابلة للطرح والنقاش. * رد الدكتور حسان: ولكنني خائف!! * لماذا..؟! * لأن النظرية لم تكتمل بعد!! * كيف؟ * لأنني إذا سلمت بالنظرية، بمعنى أن الإنسان يرتقي ويتطور بناء على اكتشاب المعرفة والتجربة، وأنه ينحدر ويتخلّف كلما ابتعد عنها. وهذا ما أؤمن به طبعاً. فإنني مضطر إلى أن أكرر الإعلان عن خوفي. * وما سبب الخوف؟ قالوا جميعاً.. * سكت قليلاً ثم تابع: أخشى على رأس الإنسان العربي!! * رأس الإنسان العربي؟! * نعم.. رأس الإنسان العربي.. إذ لابد والحالة هذه، من أن يصغر، لأنه لم يعد يستعمله، بل لم يعد قادراً على استعماله.. فما دام غير قادر على استخدامه في الدفاع عن حقوقه وممتلكاته.. وما دام يستعمل رأس غيره في حل مشكلاته.. ويستعمل رأس البندقية في حواره مع أهله.. وما دام يستورد أعواق الثقاب، وإبر الخياطة وأمواس الحلاقة، والمناديل التي ينظف بها أجزاء جسده..!! فمن المؤكد أنه لم يعد مضطراً إلى أن يستعمل رأسه.. لهذا فمخه معطل عن العمل.. وأي شيء يُعطل عن العمل لابد له بطبيعة الحال أن ينكمش ويضمر ويضمحل.. وعليه، فإن الأجيال العربية - لا قدر الله - القادمة ستولد بلا أمخاخ!! جماجم فارغة، ليس فيها إلا عيون تنظر، وآذان تسمع، وأفواه تمضغ. * قالوا جميعاً: لا حول ولا قوة إلاّ بالله. * تابع في حماسة: أما الأجيال التي تليها فأخشى أن تولد بأذيال وأظلاف وحوافر، وهذا نتيجة ما أسميه بنظرية «الانحدار والتخلف» المقابلة لنظرية «الارتقاء والتطور».. فالإنسان يتطور تطوراً علوياً أو تلقائياً كلما طوّر مخه، ويتخلف ويتأخر ويهبط سفلياً كلما تعطّل مخه. * راح الدكتور سليمان يهز رأسه بتلقائية من يعني التأييد والموافقة!! * واستمر حسان: كما انه يتخلص كلما تطور عقله من صفات البهائم.. غير انه قد يعود إليها بفضل تخلفه العقلي!! وقياساً على هذا المنطق، فإنه بعد جيلين أو ثلاثة سيصبح هذا الإنسان منسوباً إلى فصيلة القرود الراقية المتطورة.. لأنه حينها سيظل محافظاً على بعض المعارف. فهو سيملك القدرة على أن يلبس، ويأكل ويرقص طبعاً فالرقص فيه صفة أزلية.. ولكنه قد يخطئ فيلبس حذاءه الأيمن في قدمه اليسرى.. وهو بهذا سيصبح كائناً سركياً ومضحكاً في مسرح الحضارة المتقدم.. ثم ابتسم الدكتور حسان وقال وهو يضحك: ولكنه مع هذا سيحقق مكاسب وانتصارات عظيمة. * قال الجميع: نعم، ماذا.. مكاسب؟؟!! طبعاً سيحقق مكاسب عظيمة لعل أهمها انه سيتخلص من أمراض العصر القاتلة: كالذبحة والجلطة وضغط الدم ومرض السكر وقرحة المعدة والقولون العصبي، وجميع الأمراض النفسية.. وذلك بسبب موت الحاسة الانفعالية لديه. ومن ثم، فإن جهازه العصبي سيكون كجهاز الهضم لدى الثور.. وإن كان سيصبح أقل منه إحساساً بمراحل. * صاح الدكتور عثمان في ذهول قائلاً: «أما يا جماعة لو بقي الكلام اللي بيقوله الزول صحيح، دي تبقى وقعة والله!!».