الإنسان بطبعه اجتماعي، يحب أن يتفاعل مع ما حوله من أحداث يسمع وينقل أخبارها. لم يترك هذه العادة يوماً، مارسها عبر الأزمان المختلفة بطرق عدة حسب ظروفه وظروف المكان الذي يعيش فيه. في المملكة مثلاً ولربما غيرها من البلدان كانت ضحوية الجيران وسهرة الخلان هي الأكثر حفاوة وإمتاعاً بالأخبار،لأن أصحابها قد يتحررون فيها من قيودهم الاجتماعية التي يرونها في الحديث مع أقاربهم ولتنوع المصادر في مجالس الأصحاب والجيران. وعندما جاءت بعض تطبيقات التواصل الاجتماعية مثل (البلاك بيري) و (الواتس أب) وجدت لها رواجاً وشعبية بين الناس أكثر لأنها أشبعت شغفهم بتقصي الأخبار والاطلاع على الجديد والطريف أو المفجع منها. واستطاعت أن تتخطى وتكسر الحواجز الكبيرة التي بُنيت بين الناس في المجتمعات الحديثة والتي كادت أن تقضي على أنشطتهم الاجتماعية، فقربت البعيد وفتحت الأبواب والنوافذ المقفلة. حتى أصبحت خبزهم اليومي الذي لا غنى لهم عنه يصبحون وينامون عليه، يستهلكون فيه من الأخبار والصور والقصص مما لم يتح لهم من قبل حتى كاد ان يغنيهم عن التواصل الحسي أو الحقيقي. وهذا مالا يجب على الإنسان أن يسمح به مهما كان مغرياً بسهولته وتنوع مافيه. عندما أتممت صفقة بيع (الواتس أب) حظيت باهتمام بالغ لأن الهاجس معها كان كبيراً بفقد هذه الوسيلة الحيوية في التواصل وبعد ما أشيع حول خصوصيتها! لأن هذا التطبيق كان قد حل بديلاً لضحوية الجيران وسهرة الخلان لدى المجتمع. وهكذا سيكون هو الحال مع أي تطبيق تواصل اجتماعي يدمنه الناس، سترتفع أسهمه ويباع أو يمل بعد ان يجد منافساً جيداً له. ميزة تطبيق (الواتس أب) كانت في مجانيته وسهولة استخدامه ولاعتماده على أرقام الهاتف الجوال على عكس التطبيقات الأخرى التي تشترط حساباً الكترونياً وقدرته الفاعلة على تكوين مجموعات خاصة للتواصل. هذه العوامل لعبت دوراً هاماً في اعتماد السعوديين عليه على اختلاف أعمارهم ومهاراتهم الإلكترونية. يتساءل الناس عن حالهم السابقة وما فعلته فيهم هذه التقنيات المتطورة وعن ما يمكن أن تكون عليه أحوالهم إذا ما حجبت أو انقطعوا عنها، ولم يتساءلوا عن ما يمكن أن يكون عليه الحال لو زادت هذه التقنيات تطوراً وأصبحت قادرة على تفعيل الصورة وأصحابها في مكان مستخدمها. هل سنصبح سجينين لبيوتنا أكثر؟! الحل الأفضل هو أن نعيد لعادات التواصل الحقيقية والجسدية قيمتها وأن نفعلها داخل مدننا وأحيائنا. بأن ننشئ منتديات اجتماعية داخل أحيائنا تغذي منتديات أكبر للمدن. ولعل أفضل طريقة هي في تحويل حدائق الأحياء التي تستمتع بها قطط الحي أكثر من أناسها إلى مراكز اجتماعية لها أنشطة ثقافية معتمدة لتلبية رغبات رجال ونساء الحي كباراً وصغاراً. التقنيات الحديثة توشك أن تقتل النشاط والحركة في أجسادنا وتلخصها في ما تطاله أناملنا وتشهده عيوننا، مالم ننتبه لسحرها القاتل وما يجره علينا من علل جسدية واجتماعية.
مشاركة :