لو كانت تدري بما هو ينتظرها لكتبت شيئاً يقرؤه الملايين بعدها يفند ما يقال عنها الآن، ولكن مقطع الفيديو المسجل قد أظهر القضية، ولعل الله قد اختار لها شهادة أفضل نسأل الله العلي القدير أن تكتب لها وهي التي سلكت أحب الطرق إلى الله وهو طريق العلم! ناهد -رحمها الله- اختارها الله لتكون رمزاً لقضية ونقطة اختلاف وتخالف في بلدها والبلد الذي قتلت فيه. ودماؤها الطاهرة سقت أرضاً لم تعرفها فعُرفت. ورائحتها العطرة قد فاحت بعبيرها في أرض الوطن وعطرته بعد أن فجع بفقدها، ومهما كان فقدها محزناً على أهلها ومحبيها، ومقتلها محرجاً لمن هم معنيون بها وصادماً لآخرين فقد انتصرت وفازت وخسر غيرها. خبر مقتل المبتعثة قد أوقظ آكلي لحوم البشر ممن يعيشون في وطنها فسارعوا بالشماتة والتنديد ولم يردعهم عن ذلك شيء سوى مقطع الفيديو الذي كان شاهداً عليهم ومبرئاً لها أمام مجتمع اعتاد على سوء الظن بنسائه أياً كانت وجهتهن وغايتهن، لأن العنصرية كانت داء فيه مثلما هي في مجتمعات أخرى. كما أنه قد أوقظ الشعب البريطاني على بشاعة ما يجري داخله من احتقان ضد الهوية الإسلامية. كلاهما قد ظلم وكانت ناهد ضحيته وهي التي خرجت من حضن الوطن ودفئه طلباً للعلم في مكان وزمان حسبته متحضراً فقتلها. قضية ابتعاث السعوديات للخارج كانت قرينة بمقتلها أو هكذا أراد البعض بها أن تكون. لماذا تجبر معيدات الجامعات على الابتعاث للخارج للتخصص؟ سؤال طرحه الكثير وندد به بعض من أهلها؟ وقبل أن نند ببرنامج الابتعاث دعونا نفصل بعض الخيوط وننظر لها على حده لنحكم بحيادية بعيداً عن الانفعال والعاطفة. لوكانت ناهد -رحمها الله- زوجة لأحد المبتعثين وقتلت أثناء سيرها لجلب أحد اطفالها من المدرسة أو أمام بيتها فماذا عساه يكون الدافع سوى العنصرية؟ فهل نستسلم أمامها وننكفئ على أنفسنا خوفاً من فكر متطرف ونحقق غايتهم بالعودة من حيث أتينا مثلما يردد أي عنصري، أم نتسلح بإيماننا وشرف مطلبنا ونجاهدهم بخلقنا الإسلامي الحسن مع الأخذ بالحيطة والحذر؟ المؤمن قوي بمبدئه وعقيدته ولهذا يخشاه ضعاف النفوس بعنصريتهم. ولنعد لسياسة الجامعات السعودية في التشجيع على الابتعاث وهو مطلب مشروع لأي جامعة هي محضن للعلم وطلبته ومن يسعى للالتحاق بها يجب عليه أن يعي تماماً رسالتها العلمية والتحديات التي تواجهها الجامعات الناشئة أو العريقة في تطوير كوادرها للوصول لمستويات عالية في التعليم، وهي رسالة نبيلة يجب أن يفهمها كل من هو منتم لصرح علمي بأن التحاقه بها يلزمه أن يكون على قدر عال من التخصص والاطلاع لتطوير أجيال المستقبل وتعليمها، والدراسات العليا تحتاج لخبرات عالية واحتكاك بمجتمعات علمية متنوعة الخبرات وهو لا يزال محدوداً جداً في بلادنا وخصوصاً في العنصر النسائي، وإذا ماكنا كمجتمع نفهم ما هو على عاتقنا كجيل حالي من طلب للعلم، وبحث فيه لتطوير مستوى التعليم للأجيال المقبلة، والوصول لما نطمح له من رقي في العلم إلى حد الاكتفاء، توجب على المؤسسات العلمية ووزارة التعليم العالي بخططها الحالية لتحقيق المصلحة العامة، حتى ولو كانت متعارضة مع مصالح أو ظروف البعض الخاصة. نحن هنا لا نتحدث عن وظيفة وراتب لفئة من المجتمع وإنما عن مسيرة علمية ينخرط فيها من هو مؤهل لها لحمل لواء رسالة الجامعة التي ينتمي إليها عالياً وهذا هو المتوقع من كل من يسعى للانتماء لها. ولو كتب لناهد أن تكمل مسيرتها العلمية وهي التي اختارت (عاشقة الشهادة) لقباً لها في رسالتها المكتوبة بخطها لما ارتضت بأقل من ذلك ولا تنازلت عن حق لها مشروع في طلب العلم بما يرضي الله. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته وألهم أهلها وذويها الصبر والسلوان.
مشاركة :