لفت محافظ بنك الكويت المركزي، الدكتور محمد يوسف الهاشل، إلى أن الضغوط في القطاع المالي يمكن أن تتأتى من مصادر مختلفة، لافتاً إلى أنه من الصعوبة بمكان التنبؤ بالتوقيت والمكان الذي قد تنبع منه الاضطرابات. وأشار الهاشل إلى بعض الاضطرابات التي عانت منها الأسواق المالية خلال الأعوام الأخيرة، ففي عام 2013 كانت بداية وقف سياسات التيسير الكمي في الولايات المتحدة الأميركية، وفي عام 2014 كان انهيار أسعار النفط، وفي عام 2015 كانت إعادة التوازن للاقتصاد الصيني، في حين شهد العام الحالي الاستفتاء الخاص بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مبيناً «لاشك أن تلك الأحداث أدت إلى اضطرابات بالغة في الأسواق المالية العالمية». وقال «تأسيساً على ما تقدم، فإن مهمة ضمان المرونة لنظام مصرفي قادر على تحمّل الصدمات بكافة أنواعها ومصادرها، ليست بالأمر السهل، فهذه الصدمات ليست خارجية المصدر فقط، بل إن النظام المصرفي نفسه هو في حالة من التغيير المتواصل، وذلك وسط مناخ من المخاطر المتطورة والمتزايدة، والتي ترجع في جزء منها إلى الابتكارات المالية». وفي حين شدد محافظ «المركزي» على أنه «لولا المصدّات المالية القوية والجيدة التي تم بناؤها بجد في أوقات الرفاه، لما كان القطاع المصرفي الكويتي قادراً على الصمود في وجه الضغوط والأزمات بشكل جيد»، رأى أن الوضع أصبح يستدعي ضرورة العمل على تطوير الإطار التنظيمي للقطاع المصرفي بشكل دائم ومستمر، مشيرا الى أن البنك المركزي قام خلال الأعوام الأخيرة بتحديث الأنظمة القائمة لديه، بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية، وذلك بالإضافة إلى تبني وتطبيق المعايير الرقابية الجديدة الصادرة عن لجنة «بازل» للرقابة المصرفية، عارضاً الخطوات التي اتخذها «المركزي» إزاء ذلك، ومنها تعزيز نظام كفاية رأس المال عن طريق تحديد مستويات أعلى وجودة أفضل لرأسمال المصارف الكويتية لتقوية قدرتها على امتصاص الخسائر، ووضع متطلبات إضافية لرأسمال البنوك ذات الأهمية النظامية، بالإضافة إلى تطبيق معيار نسبة الرفع المالي لضمان أن البنوك لا تقوم بالإقراض بشكل مفرط. في المقابل، لفت الدكتور الهاشل الى أن البنوك عليها أن تتحمل المسؤولية الأولى والرئيسية عن ممارستها لأنشطتها، ولا يمكنها أن تتقبل وتتحمل تداعيات العمل في ظل حوكمة ضعيفة وغياب ثقافة إدارة المخاطر، لذلك فإن «المركزي» بادر إلى إصدار توجيهات للبنوك لجعل مستوى الحوكمة لديها أكثر قوة، ما يمهد الطريق أمام المصارف الكويتية لمواجهة تحديات انخفاض أسعار النفط من موقع قوة. إصلاحات اقتصادية من ناحية ثانية، أكد محافظ «المركزي» الحاجة لإجراء إصلاحات اقتصادية وهيكلية، هي من الأهمية بمكان لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، مبينا أن المصارف تمكنت من احتواء الآثار المؤلمة لصدمة أسواق النفط الأخيرة، كما أن البيئة الاقتصادية الضعيفة ستضع أخيراً النظام المصرفي تحت ضغوط كبيرة قد تؤدي إلى تضاؤل قوته مع مرور الوقت، كما أن التنظيم المالي ليس كافياً لوحده، ولا يمكن أن يكون «اللعبة الوحيدة في المدينة» لأنه يتسم بالمحدودية كأداة لمعالجة قضايا الاقتصاد الكلي، منوها بأن استقرار النظام المصرفي لا يغني عن الحاجة إلى إجراء إصلاحات اقتصادية وهيكلية شاملة، وأن المصدات المالية وانخفاض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي، يمنحان فرصة للقيام بالإصلاحات الاقتصادية بشكل متدرج مع المحافظة على النشاط الاقتصادي المطلوب. واعتبر أن الابتكارات التكنولوجية أصبحت تغيّر وبصورة جذرية من الطريقة التي تدار بها الأعمال التجارية، و«كيفية تفاعلنا مع بعضنا البعض أو استهلاكنا لمختلف المنتجات والخدمات»، لافتاً إلى أن الصناعات كالنقل، والخدمات الفندقية قد اهتزت بالفعل من شركات أمثال «Uber» و«Airbnb». كما يشهد القطاع المالي الذي يعتبر في الأساس «صناعة معرفية» أيضاً تحولاً جذرياً مدفوعاً بما تشهده التكنولوجيا من تقدم وتطور، مسلطا الضوء على بعض مجالات التمويل التي تشكل تطوراتها أهمية خاصة في هذا المجال. وبين الهاشل أن التكنولوجيا الحديثة تعمل على توفير الخدمات المالية الرسمية على نطاق واسع يطول الملايين من العملاء الذين لا يمكنهم الوصول إلى الخدمات المصرفية بشكل أو بآخر، مشيرا الى أن العديد من الدول تمكنت خلال السنوات الأخيرة من توسيع القدرة للنفاذ إلى التمويل، لافتا إلى أن الكويت حققت مستوى لافتا من الشمول المالي وفق المعايير الدولية. وتابع الهاشل أن التطورات البرمجية مثل (Blockchain) تؤدي إلى تحول في الطريقة التي يتحقق فيها من المعاملات وتُنفذ بها العقود. ولفت إلى أن تلك التطورات تبعث على الإعجاب، لكنها تحمل في طياتها مخاطر وتحديات جسيمة فريدة من نوعها، أبرزها: مخاطر الأمن الإلكتروني، فحوادث القرصنة المختلفة حول العالم توضح بأن عمليات الاحتيال والتزوير يمكن أن تُرتكب عن بعد، وبشكل سريع، وعلى نطاق واسع، كما أن شركات التكنولوجيا المالية تقوم بنقل جزء من أعمالها المصرفية إلى نظام الظل المصرفي الذي لا يزال غير منظم، أو ربما منظم بشكل طفيف، إضافة إلى ذلك، فإن إقراض (شخص لشخص) المدعوم بالتكنولوجيا والتمويل الجماعي قد يؤدي إلى تفاقم الدورة الاقتصادية وحجم أعمال الظل المصرفي، كما انه من المحتمل ظهور مؤسسات مالية رقمية جديدة ذات أهمية نظامية، فعالم التكنولوجيا يعكس ظاهرة «الفائز يستحوذ على كل شيء» كالحال مع عدد قليل من الشركات مثل «غوغل» و«أبل» اللتين تتمتعان بحضور هائل في مجال اختصاصهما. وذكر أن دوراً أكبر لتلك الشركات في توفير خدمات مالية، قد يخلق مجموعة جديدة بالكامل من المؤسسات غير المنظمة والأكبر من أن تفشل تتميز بمخاطر فريدة خاصة بها. فريق العمل محمد الجاموس علاء السمان علي إبراهيم تصوير: أسعد عبدالله نايف العقلة
مشاركة :