... وكأنه «سباق الحواجز». هكذا اختصرت مصادر واسعة الاطلاع في بيروت الواقع في لبنان بعد المسار الجديد للانتخابات الرئاسية الذي يستكشف أفقه زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري على قاعدة إمكان تبني ترشيح زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون الى الرئاسة الاولى. ذلك أنّه بعد أقلّ من 48 ساعة من «نصف انسحاب» الحريري من ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة و«نصف الانفتاح» على إمكان السير بالعماد عون، استفاقت مجدداً «العراقيل النائمة» داخلياً التي تشي بتعقيداتٍ لا يستهان بها امام المحاولة الجديدة لزعيم «المستقبل» لكسْر حلقة المراوحة الرئاسية، معطوفةً على سؤاليْن كبيريْن ذات الصلة بالبُعد الاستراتيجي للأزمة الرئاسية: السؤال الأول هل قرّرتْ إيران ان «الساعة دقّت» للإفراج عن الاستحقاق الرئاسي وفصْله عن مسار المعركة الكبرى في المنطقة التي دخلت وتحديداً في سورية فصولاً مفصليّة؟ واستطراداً هل بلغ «الاهتراء» في الواقع اللبناني او «إنهاك» الأطراف المحليين بلعبة التعطيل، المستوى الذي بات يسمح بتوجيه «ضربة» قد لا تتكرّر لتحصيل مكتسبات لحلفاء طهران كامتدادٍ للعبة ترسيم النفوذ في الساحات المشتعلة وإعادة تركيب التوازنات داخل هذه الساحات وإن من ضمن الخرائط نفسها؟ اما السؤال الثاني، فيتمحور حول الموقف السعودي من أي تسوية تحمل مرشّح ايران و«حزب الله» الرسمي، اي عون، الى الرئاسة في لحظة اشتباكٍ غير مسبوق بين الرياض وطهران، وما الهامش المتاح أمام الحريري على هذا الصعيد. علماً ان أي تفاهماتٍ تفضي لانتخاب عون بـ «نسخةٍ» مختلفة عن التموْضع الذي رشّحه «حزب الله» على أساسه كفيلة بأن تجعل الحزب نفسه يجهض وصول «الجنرال»، تماماً كما كان فعل بعدما دعم الحريري ترشيح فرنجية على قاعدة تفاهُمٍ أثار ريبة الحزب من مضامينه. ومن ضمن هذا السياق الخارجي، استوقف المصادر الواسعة الإطلاع بروز سلسلة «ألغام» داخلية - غير الصعوبات المتصلة بتسويق خيار عون داخل «المستقبل» وبين جمهوره - اعتُبرت مؤشراً الى ان الأزمة الرئاسية لم توشك ان ترسو على حلّ، وأبرزها: * تمتْرس رئيس البرلمان نبيه بري المستمرّ خلف لاءيْن: لا للعماد عون رئيساً، ولا لرئيس خارج حلّ «السلّة المتكاملة» التي تشمل الرئاسة والحكومة رئيساً وتوازنات وبياناً وزارياً وقانون الانتخاب وتعيينات في مواقع حساسة ونقاطاً أخرى. وفيما كرّر بري أمس، أن لا إمكان للقفز فوق السلّة التي تُناقش على طاولة الحوار الوطني (تسبب عون بتعليقها)، برز ما نُقل عنه من تلويح بمقاطعة جلسة الانتخاب (لعون خارج السلّة)، وصولاً الى الكلام عن ان «حزب الله» لن يشارك في اي جلسة يقاطعها شريكه في الثنائية الشيعية. ويتمّ التعاطي في بيروت مع موقف بري على انه لا يمكن ان يكون بمعزل عن «حزب الله» الذي تبقى «السلّة» الممر الإجباري لأيّ تسوية قد يقبل بها اذا أتت بشروطه كاملة وإن من خارج التوقيت الاقليمي، ولا سيما قانون الانتخاب الذي يُعتبر المدخل لتحديد الأحجام والتوازنات في المرحلة المقبلة. وفي حين راوحت القراءات لموقف عون من تشدُّد بري في موضوع السلة بين ما نقلته تقارير عن أنه ليس وارداً في حساباته التفاهم مع رئيس البرلمان قبل الرئاسة «منحكي بعد وصولي إلى بعبدا»، وبين ما أفادت به تقارير أخرى من ان هذه مسؤولية الحريري وبين انه مستعدّ للتحاور مع بري، وجّه له الأخير «رسالة قاسية» جديدة من خلال إرجاء جلسة انتخاب الرئيس رقم 45 التي لم يكتمل نصابها امس الى 31 اكتوبر المقبل. ورغم كلام بري عن ان هذا الموعد يمكن ان يتبدّل حين يجري التفاهم على الملف الرئاسي، فإن أوساطاً سياسية اعتبرت إرجاء جلسة الانتخاب لفترة قد تكون من الأطول لجهة المهلة الفاصلة بين جلسة وأخرى، في سياق المزيد من «زكزكة» عون والضغط عليه والإيحاء بأن موعد 13 اكتوبر الذي كان حدده لتتويج مساره التصعيدي في الشارع لانتخابه رئيساً تحت عنوان «الميثاقية» (كان يفترض ان يبدأ امس وتم إرجاؤه إفساحاً في المجال امام المسار الجديد الذي أطلقه الحريري) لا يعني بري، او انه في إطار ما يتردّد عن محاولة لجرّ عون الى الشارع لـ «يحرق يديْه». * و«اللغم» الثاني الذي لا يقلّ أهمية يتمثّل باندفاعة النائب فرنجية باتجاه التمسك بترشيحه وصولاً لإطلاق إشارات سلبية غير مباشرة باتجاه الحريري، وهو ما عبّرت عنه 3 محطات متوازية هي: «تغريدة» فرنجية امس على «تويتر» اذ قال: «إذا اتفق سعد الحريري مع عون وسمّاه لرئاسة الجمهورية سيحصد النتيجة نفسها حين سمّى الرئيس (أمين) الجميل عون رئيساً للحكومة العام 1988»، وقبْلها كسْر النائب اسطفان دويهي مقاطعة «تيار المردة» لجلسات الانتخاب الرئاسية ومشاركته ليعلن بعدها استمرار ترشيح فرنجيّة و«نحن لا نطلق مواقف ردّاً على تقارير اعلامية ومشاريع مفترضة»، وهو الموقف الذي لاقى ما اعلنه وزير الثقافة ريمون عريجي (من فريق فرنجية) من ان فرنجية كان قال انه «اذا اتفقت المكونات اللبنانية كافة على اي مرشح إن كان الجنرال عون او سواه، فهو نتيجة حسه الوطني يتخلى عن ترشيحه لمصلحته، ولكن مع احترامي للرئيس الحريري وشخصه وتياره إلا انه لا يمثل كل المكونات اللبنانية بل هناك احزاب وقيادات مسيحية وزعامات كالرئيس بري والنائب وليد جنبلاط». وفيما لفتت أمس، في سياق حركة المشاورات التي باشرها الحريري زيارته لرئيس حزب الكتائب سامي الجميل قبل ان يتناول الغداء الى مائدة الرئيس امين الجميل في بكفيا، بقيت التكهّنات حيال طبيعة الموقف السعودي من حِراك زعيم «المستقبل»، وسط تقارير اشارت الى ان الزيارة التي قام بها وزير الصحة وائل ابو فاعور الى الرياض موفداً من جنبلاط لاستكشاف موقفها من إمكان ذهاب الحريري في خيار عون لم تحمل جديداً، وانه لم يسمع اعتراضاً على عون ولكنه استخلص انهم «مش ماشيين فيه»، وصولاً الى وصف بعض مَن التقاهم ابو فاعور ان الأخير «ذهب مختاراً وعاد محتاراً».
مشاركة :