تتلبّد الغيوم تَصاعُدياً في المشهد اللبناني، الذي بدأ يتّجه نحو حقبة، تُستعاد فيها الى حدود بعيدة، أوجه شبهٍ مع تجربة ترشيح زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري، النائب سليمان فرنجية، لرئاسة الجمهورية، في نوفمبر من العام الماضي. وعلى اختلاف بعض الظروف والأوضاع التي تفصل بين الحقبة السابقة والمشهد الطالع منذ أيام، فإن التطورات والتداعيات التي أثارها تَحرُّك الحريري منذ عودته الى بيروت، وشروعه في إجراء جولة مداولاتٍ سياسية مع مختلف القيادات البارزة، ترسم معالم إعادة تموْضع واسع في المشهد السياسي، حول طرْح خيار انتخاب زعيم «التيار الوطني الحرّ» العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. ولم تَمضِ إلا 3 أيام على إدارة الحريري محرّكاته السياسية، حتى بدأ الخطُ البياني لتداعيات تَحرّكه يرسم معالم واقع شديد التعقيد، مع أرجحية واضحة حتى الآن، لاحتمالات اصطدام «خيار عون»، الذي يستكشف زعيم «المستقبل» آفاقَه، بعقبات غير قابلة للتذليل، على كفة الاحتمالات الايجابية، التي تؤدي الى انتخابه، وتالياً إنهاء أزمة الفراغ الرئاسي المستمر منذ 28 شهراً. واذا كان الترحيل الطويل المتعمّد للجلسة المقبلة لانتخاب رئيس الجمهورية الى 31 اكتوبر، اعتُبر بمثابة «رأس الجليد» في جبل التعقيدات التي تعترض مسعى الحريري الى تحريك الأزمة الرئاسية ووضع «خيار عون» على طاولة المفاوضات مع مختلف القوى السياسية، فإن دلالات هذه الرسالة التي بعث بها رئيس مجلس النواب نبيه بري على نحو عاجل الى كل من الحريري وعون تحديداً، تَردّد صداها بقوّة امس، بحيث تركت انطباعات قوية في شأن الطريق المزروعة بالألغام التي تعترض مسعى الحريري. ولكن مصادر سياسية وثيقة الصلة بالتحرك الجاري، أوضحت لـ «الراي» ان «من غير الواقعي أبداً التسرّع في إطلاق الأحكام والتوقّعات المبكّرة حيال مآل تحرك الحريري، قبل ترْكه يأخذ مداه الى النهاية من خلال استكمال زعيم المستقبل لقاءاته الدائرية مع غالبية الأفرقاء، التي لا يمكن تَوقُّع نتائجها إلا بعد بروز الخلاصات الكاملة لها. فاللقاء الأساسي الذي يُعوَّل عليه في هذه الحركة سيكون بين الحريري ورئيس مجلس النواب الذي بات يمثّل حجر الرحى الأساسي والثقيل في محور مناهضة انتخاب عون». ومع ذلك، «لا يمكن - بحسب هذه المصادر استباق الأمور والحديث عن تحالف ثلاثي مناهض لوصول عون بين بري والزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط والنائب المرشح سليمان فرنجية، قبل معرفة ما سيقوم به الحريري نفسه من خطوات بعد استمكال لقاءاته، خصوصاً ان زعيم المستقبل لم يعلن بعد، لا التخلي رسمياً عن دعمه لترشيح فرنجية، ولا تبنّيه رسمياً انتخاب عون». ومن هنا، تنظر المصادر نفسها الى كثير من المعطيات التي جرى تسويقها وتعميمها، من زاوية رفْع السقوف التفاوضية، تحسّباً لجدية اتجاه الحريري نحو خيار عون من جهة، ولاستكشاف ما اذا كان ثمة حيثيات إقليمية جدية لتغطية حركة الحريري من جهة أخرى. واذا كان المقصود بالتغطية الإقليمية الموقف السعودي تحديداً، فإن المصادر تخالف كل الانطباعات التي تسود المناخ الداخلي حالياً والتي تتحدّث عن «تفلُّت» الحريري من انتظار الموقف السعودي الواضح، لاعتباراتٍ تتّصل بعلاقته الملتبسة مع المسؤولين السعوديين او بعضهم، وعلى خلفية أزمته المالية. وتقول المصادر عيْنها، في هذا السياق، إن «الحريري بالتزامه الحذِر الواضِح في السير بين ألغام خيار عون، انما يعكس إدراكاً تاماً لدقة ما يقوم به. إذ إن هذا التحرّك ينبغي ان يؤدي الى بلورة نتائج واضحة تماماً من جانب الأفرقاء الذين يؤيدون خيار عون، وفي مقدّمهم عون نفسه وحزب الله، كما من شأنه ان يضع رافضي هذا الخيار امام اختبار البديل وانتخابه في حال استمروا على رفضهم». وتبعاً لذلك، تعتقد المصادر ان «حركة الحريري حشرت الجميع أمام توقيتٍ مباغت واتجاهٍ مفاجئ، لن يكون ممكناً معه لأي طرفٍ التفلّت من اتخاذ خيارات حاسمة. ولعل أوّل الذين سيترتّب عليهم التعامل بجدية مع تحرك زعيم المستقبل هو حزب الله، الداعم الاكبر لعون، والذي يرفع منذ عامين شعار اتهام الحريري بعرقلة الانتخابات الرئاسية، ويتمسّك بزعيم التيار الحر مرشحاً وحيداً». ولفتت المصادر إلى «نقطتيْن تثيران النقزة من موقف الحزب، ومن حقيقة رغبته في إنجاز الاستحقاق الرئاسي في هذا التوقيت، الأولى ترْك الباب مفتوحاً على غاربه للرئيس بري لعرقلة طريق عون، من خلال عنوان السلّة المتكاملة للحلّ، التي تبقى بالنسبة الى الحزب الجائزة الكبرى الفعلية، التي تفوق أهميتها تنافُس مرشحيْن من 8 آذار على الرئاسة، باعتبارها بمثابة الناظم السياسي لمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية،خصوصاً قانون الانتخاب. والثانية ملاقاة قريبين من حزب الله إشارات امتعاض بري مما يشبه تفاهم الحصص، بين الحريري وعون، بمعزل عنه، الى جانب ايحاء الحزب بأنه لن يتم التعاطي بجدية مع حركة الحريري ما لم تكن مقترنة بتأييد سعودي واضح». ومن هنا، أشارت المصادر نفسها الى «أهمية كبيرة سيتخذها المسار الرئاسي بعد اللقاء الذي سيجمع الحريري (كان التقى جنبلاط ليل الاربعاء) ببري، إذ من خلاله ستتضح مدى المرونة او التصلّب في تعامل رئيس البرلمان مع خيار عون». وتشير المصادر الى عامل لافت للغاية، تَمثّل في التهدئة والتريث اللذين يلتزمهما عون في شأن إطلاق التحرك التصعيدي لتياره، كما كان مقرَّراً قبل تحرك الحريري، إذ انه سيعطي الأخير الفرصة الكافية لاستنفاد مبادرته قبل اي خطوة تصعيدية. وعلى ذمة هذه المصادر، فان «ما تبلّغه عون وما يجري بينه وبين فريق الحريري يبدو أكثر من مُطَمْئن للجنرال بجدية اتجاه الحريري نحو خياره».
مشاركة :