رغم التعريفات العديدة للثقافة إلا أنها تبقى من المصطلحات العامة والعائمة الفضفاضة في دلالاتها اللغوية والاصطلاحية وتختلف من حقل معرفي إلى آخر.. لكنها تظل مبنية في تعريفها البسيط على أنها مجموعة المفردات الناعمة التي تشكل وعي الإنسان بذاته وبالآخر وبالمجتمع والبيئة المحيطة به وبالعالم وثقافاته المختلفة. من المسلمات التي لا يمكن لأحد أن يراهن عليها هي أن الثقافة على تنوعها تستحق أن يُنظر إليها باحترام وتفهم.. وفي إطار القيم النبيلة والوعي العقلاني حتى ولو اختلفنا مع أصحاب الثقافات الأخرى.. فالبشر في هذا الكون يتباينون في الآراء ووجهات النظر قد يختلفون وقد يتفقون وهذه سنة الحياة.. ولعل عتبة من الوعي نقف عليها هي حاجتنا كي يفهم بعضنا بعضاً. عندما عنونت المقال بـ(ثقافتنا المجتمعية إلى أين) فإنما قصدت أن أتناول جزئيات معينة من موضوع الثقافة الفضفاض أو ما يطلق عليه بثقافة المفردات، حيث إن هناك مفردات كثيرة تتطلب ثقافات جزئية خاصة بها وتتطلب منا تطويرها والارتقاء بها كي تصبح فعلاً جزءاً من الثقافة المجتمعية فعلى سبيل المثال هناك ثقافة الحوار والاستماع.. ثقافة الإنتاج والإنجاز.. ثقافة الاستهلاك والادخار.. الثقافة الصحية والبيئية.. إلخ ثم هناك الثقافات التي تسير في الاتجاه المعاكس كثقافة الخوف وثقافة التواكل والاعتماد على الغير وهلم جر من المفردات الثقافية التي تفشت في مجتمعات القرية الكونية.. السؤال كيف يمكن لمثل هذه الثقافات الجزئية أو ثقافة المفردات المتعددة أن تأخذ دورها في مجتمع لا يعطيها حقها من اهتمام كافٍ وتطبيق فعلي على أرض الواقع.. ثم هل استشعرنا أهمية هذه المفردات الثقافية ومدى حاجتنا للإيجابية منها والتخلص من ثقافة المفردات السلبية.. ولعلي في عجالة أتناول إحدى هذه الثقافات الجزئية كمثال يوضح واقعاً مأزوماً في النمط التفكيري البعيد عن العقلانية والسلوكيات الحضارية. الإصغاء فن والحوار حضارة.. والبشر على ضفاف الحياة يتعارفون ويتآلفون لا ليمزق بعضهم بعضاً.. وهناك ثقافة اسمها ثقافة الحوار والاستماع هي ثقافة نكتسبها من خلال التفاعل والتعامل مع مختلف مجريات الحياة فهل واقع المجتمع يقول لنا إننا وصلنا إلى وقت عزَّ فيه الحوار والإنصات. فإذا كان الواقع الثقافي هو المعيار الصحيح للواقع الاجتماعي فإن ثقافة الإصغاء والحوار لم نتقنها وحلت محلها ثقافة الملاسنة والعدائية وإلغاء الآخر.. وصلنا إلى وقت فقدنا فيه حوار الندّية والوعي بقبول أفكار الآخر حتى لو اختلفنا في وجهات النظر.. يبدأ الحوار بشفافية وندية وشيئاً فشيئاً نجد أنفسنا أمام معركة كلامية ومن يملك الصوت الأقوى والأعلى هو المنتصر في نظر نفسه وليس في نظر العاقل الحكيم. هذا مثال من أمثلة كثيرة للثقافة المجتمعية التي يعاني منها المجتمع ومهما تحدثنا وكتبنا عن هذه الجزئية من الثقافة أو غيرها لم نستطع الفكاك منها أو التخلص منها.
مشاركة :