تطورات الوضع في سورية طوال السنوات الخمس الماضية؛ لم تغيّر من الموقف السعودي والخليجي عموماً من الأزمة، وتحديداً من رحيل المجرم بشار الأسد، وتشكيل هيئة انتقالية للحكم وفق مقررات «جنيف 1»، مع التزام سياسي وعسكري وإنساني بدعم المعارضة المعتدلة، وتوحيد صفوفها، وإيصال صوتها، رغم صعوبة الموقف على الأرض بعد حرب الإبادة في حلب، وانهيار الاتفاق الروسي الأميركي بعد قصف قوافل المساعدات الإنسانية، وعجز الطرفين عن الإفصاح عن بنود ذلك الاتفاق لسوء ما فيه، إلى جانب تعارض المصالح بينهما بإقامة مركز مشترك للتنسيق العسكري. أميركا وروسيا دخلا منعطفاً خطراً في سورية، وخرجا إلى العلن يكذّب بعضهما الآخر أمام العالم، وهي مناورات إعلامية لا تغيّر من الواقع الذي يتحمله أوباما وحده، حينما كبّل نفسه بقرار عدم إرسال قوات برية إلى سورية، والاكتفاء بملاحقة تنظيم «داعش» الإرهابي، كما سمح لإيران أن تملي شروطها في الأزمة السورية مقابل انتزاع توقيعها على الاتفاق النووي، وترك الساحة للروس يتمددون ويقصفون المدن السورية، ويقفون مع النظام وليس الشعب في حرق الأرض والإنسان، بما فيها حلب التي تمثّل العقبة الكبرى في الصراع، إلى جانب -وهذا أمر مهم- خذلان حلفاء أميركا بالمنطقة وعلى رأسهم المملكة، حيث كان يظن أوباما أن إطالة أمد الأزمة ذريعة لقبول المملكة بالأمر الواقع، أو تقديم تنازلات، ولكن مثل ذلك لم يحدث. والسبب أن المملكة ترى في أوباما رئيساً انتهت ولايته قبل موعدها المقرر، وتحديداً بعد الاتفاق النووي مع إيران، ولا تعوّل عليه في الحل، ولاتأمن جانبه في التفاصيل، خاصة أن مسرحية «قانون جاستا» الابتزازية لم تعد تشكّل ضغطاً على المملكة في تغيير مواقفها من سورية، وهو الذي لن يحصل؛ لأن هزيمة إيران في سورية خيار إستراتيجي للمملكة ودول الخليج لضمان أمنها ومصيرها المشترك، وحفاظاً على استقرار المنطقة عموماً، كما يقطع طريقاً آخر على نفوذ إيران وتمددها الطائفي، ورعاية الإرهاب الأجير في أكثر من مكان. مابين انتخاب رئيس أميركي جديد وواقع الأزمة السورية على الأرض؛ لم يعد هناك من خيار سوى المزيد من دعم المعارضة بأسلحة نوعية، بما فيها الصواريخ المضادة للطائرات، وهي مدة ليست قصيرة، خاصة أن الروس ومعهم النظام وإيران يريدون حسم المعركة خلال الأشهر الأربعة المقبلة قبل وصول الرئيس الأميركي الجديد إلى السلطة؛ بهدف فرض الأمر الواقع، وسياسة فوات الآوان، وهو ما لا يرغب فيه أوباما من أن ينهي حياته السياسية في البيت الأبيض بخسارة موجعة في سورية، وعار يلاحقه على الدوام؛ ولهذا خرج قبل ثلاثة أيام في قاعدة عسكرية، يتحدث عن موقفه «المتردد»، أو كما عبّر عنه «المتعقّل» من إرسال قوات برية إلى سورية، بل طلب الاستعانة بمنتقديه لبحث حلول الخروج من الأزمة، وحديث أوباما الأخير من قاعدة عسكرية له دلائل ورسائل عن توافر نية أميركية للتحرك؛ لأن انهيار الاتفاق مع الروس سيشعل سورية مجدداً، وستبقى جبهة حلب مكمن الصراع الخفي والمعلن بين الطرفين، ولكن لن ينتصر أحد، ومهما تقدّم سوف يعود؛ لأن الحل في سورية هو تسوية سياسية بين جميع الأطراف المباشرة وغير المباشرة، سواء انتهت التسوية إلى تقسيم الأرض، أو هيئة انتقالية للحكم من دون بشار، وليس حلاً عسكرياً لطرف على آخر.. والأيام بيننا.
مشاركة :