حديث المصالحة ورافضوه - مقالات

  • 10/3/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

المصالحة الوطنية مع نظام حكم جائر أو مع قوى سياسية تختلف معها اختلافا جذريا، ليست معناها الهزيمة المطلقة أو الانسحاب التام المفضي إلى الهزيمة المطلقة. وقبول الأمر الواقع - بما هو أمر واقع - لا يعني التسليم التام بمقتضياته، إنما يعني هدنة مشروطة للطرفين، وتفاهمات على استمرار الرقعة المشتركة التي يدور عليها الصراع. المصالحة الوطنية والاعتراف بالأمر الواقع لا يعنيان أكثر من أن موازين القوى الحالية لا يمكن أن تغير الوضع القائم من دون خسائر لا يمكن تحملها، ومن دون الدخول في صراع عنيف لا يمكن تحمل عواقبه، ذلك أن اتباع سياسات أو خطط صفرية قد يفتح الصراع على مسارات أكثر تدميرا من الأمر الواقع، وأكثر اختلالا في موازين القوى القائمة. كل الحروب تنتهي بمعاهدات صلح أو اتفاقات، وكل الصراعات تنتهي بتوافقات يمكن للطرفين المتصارعين أن يتحملا نتائجها. والمعاهدات تحاول أن تقنن الوضع الحالي وقد تكون قدرتها على ذلك عالية لأنها انعكاس لموازين القوى القائمة، لكن قدرتها على التحكم في المستقبل ضعيفة لأن ذلك رهن باستمرار ميزان القوى الحالي. لذلك يتم نقض كل المعاهدات إذا تغيرت موازين القوى على الأرض، لأن المعاهدات تحاول أن تشرعن وضعا ظالما ابتداء. هذه بدهيات في العلاقات بين الدول، وفي العلاقات بين النظم - خاصة الجائرة منها - وحركات المعارضة. المعارك السياسية (وأحيانا العسكرية) لا تعرف الانتصار بالضربة القاضية إنما جولات ونقاط، وحتى في حالات استخدام السلاح النووي لم تفن اليابان، ولم تتبخر ألمانيا بعد هزيمة عسكرية مروعة، فما بالنا بمعركة سياسية داخل وطن، غايتها صراع على السلطة في حدها السلبي، أو حتى على مشروع الدولة في حدها الإيجابي. إنما يحول دون نجاح حديث المصالحة أمران: الأول: ان نظم الجور (بأثر من غلبة العقلية العسكرية) تريد تسليما تاما بلا قيد أو شرط، تريد مصالحة لا تدفع فيها أثمانا من مواقف ولا سياسات، تريد تركيعا كاملا للقوى المعارضة، وللأسف هذه العقلية الاستئصالية لا تريد حديث المصالحة إلا اتفاق إذعان كامل وخضوع تام، لذلك تفضل الوضع الصراعي الذي يحقق لها نصف انتصار على وضع سلمي تعترف فيه بأن خصومها ما زالوا أحياء. وإذا فشلت نظم الجور في الوصول إلى هذه الدرجة من التسليم التام من قبل قوى المعارضة فإنها تدفعها دفعا إلى المعارضة العنيفة، وتستهدف بكل أشكال الاستفزاز أن تجرها إلى الخروج عن أطر المعارضة السياسية إلى المعارضة المسلحة فتدفعها دفعا إلى أن تصم آذانها عن حديث المصالحة وتستمع إلى حديث السلاح حتى يسهل استئصالها والقضاء التام عليها. الثاني: أن حركات المعارضة السياسية حينما تفشل في إدارة دفة أمورها يختار قادتها الاستسلام الكامل إلى حديث الانكار، واعتماد سياسات الهروب إلى الأمام حتى لا تواجه حركات الاحتجاج الداخلي على السياسات الفاشلة التي أودت بهم. إن على هؤلاء القادة الفاشلين الذين رفعوا سقف التوقعات عند أفرادهم بما سد على أنفسهم كل طرق المناورة والتراجع في صراع سياسي كان محكوما بأطر المعارضة السياسية فإذا بهم يجدوا أنفسهم في خنادق الدعوة إلى حمل السلاح ومواجهة نظام عسكري لن يتورع عن إبادة خصومه السياسيين أن يعترفوا بالأمر الواقع، فالإنكار لا يغير الحقائق على الأرض، والذين كانوا سببا في الأزمة واستحكامها لا يمكن أن يكونوا سببا في حلها، هم أصلا لا يفكرون في بدائل غير مد خط الصراع على استقامته، أو إن شئنا الدقة على اعوجاجه. ورافضو حديث المصالحة في كل فريق، هم أصحاب العقول الاستئصالية التي تتصور الكون خالياً من المعارضين والمخالفين. رافضو حديث المصالحة، هم أهل المعارك الصفرية الذين لا تبلغ عقولهم التفكر في الحلول وأنصاف الحلول، ولا يفكرون في البدائل والخيارات، الذين يعيشون على شعارات: النصر التام أو الموت الزؤام، والموت المعارضين. رافضو حديث المصالحة، هم حفارو القبور، والنائحات المستأجرة في كل جنازة. رافضو حديث المصالحة، هم المستفيدون من الوضع القائم الذي يتكفل بأن تنفق بضاعتهم، ويزايدون حتى على كل فريق حتى تظل بضاعتهم رائجة وتجد من يشتريها. رافضو حديث المصالحة، هم تجار الموت من كل فريق، وأثرياء الحروب في كل تيار، ولا يخلو منهم فريق ولا تيار. amr_doc_oo@yahoo.com

مشاركة :