المصالحة التشريعية - مقالات

  • 3/16/2017
  • 00:00
  • 56
  • 0
  • 0
news-picture

محاربة الفساد في الكويت كانت وما زالت عملية صعبة ومسألة معقدة، لأن طريقها شائك ومليء بالمعوقات والموانع ومحفوف بالمخاطر، ومسيرة المرحوم الرمز حمد الجوعان إحدى الشواهد على ذلك. بل إن قوى الفساد اليوم أكبر نفوذا مما كانت عليه بعد التحرير، حين وصفها الجوعان بالسلطة الرابعة «سلطة أصحاب النفوذ التي طغت على السلطات الثلاث الدستورية، وهم مجاميع وقوة رهيبة اقتربت من بصيص السلطة فأعماها الطمع». فهذه السلطة تحتضن بعض النخب السياسية والإعلامية والأكاديمية والدينية وخلافها من التصنيفات الدارجة في المجتمع.ما يهمني في هذا المقال هو النخب البرلمانية التابعة لتلك المجاميع، التي تستغل شعار الإصلاح في مشاريع الاقصاء السياسي، فتوئد التحقيق في بعض ملفات الفساد لحماية المنتسبين لها، وتنعش أخرى على حساب المجاميع الأخرى.استمرار قوى الفساد - على مدى سنوات طويلة - في توظيف شعار محاربة الفساد من أجل توسعة نفوذها، مستعينة بإمكاناتها المهولة في وسائل الإعلام التقليدي وفي وسائط التواصل الاجتماعي، أنشأ جدارا متينا من عدم الثقة في ما بين النواب الذي أعلنوا تبنيهم للإصلاح، وجداراً مماثلاً بين هؤلاء النواب وبين الحكومة. لذلك عجز البرلمان عن استرجاع أموال وأملاك الدولة وعن محاسبة المتورطين في قضايا الفساد، رغم انشغاله المتواصل بالعديد من جلسات الاستجواب ولجان التحقيق التي لم تتجاوز حدود كشف أبعاد الفساد في القضايا المثارة. وقد تكون آخر هذه اللجان تلك التي شكلت في المجلس السابق للتحقيق في التجاوزات التي شابت توزيع الحيازات الزراعية. المراد أنه يجب علينا هدم تلك الجدران الفاصلة في قاعة عبدالله السالم إن أردنا الإصلاح الفعلي.من بين قضايا الفساد التي عجزت المجالس البرلمانية السابقة عن التصدي لها، هي استخدام الحكومة للجنسية كورقة سياسية: سواء بسحبها بقصد العقوبة، أو منحها أو ترقية فئتها من باب المكافأة. ولكن تميز هذا المجلس في اعتبار هذه القضية من أولوياته المشتركة بين أغلبية نوابه، وإن كانت دوافع بعضهم مرتبطة بمشاريع الإقصاء السياسي. لذا كان من الحصافة السياسية أن تتوافق السلطتان التنفيذية والتشريعية في هذا الملف على مبدأين: إعادة جميع الجناسي المستحقة وتجميد مشاريع الإقصاء السياسي. ولذلك بارك سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح هذا التوافق بمكرمته الإنسانية.رغم الانتقادات الكثيرة ضد الاتفاق، إلا أنني أرى أنه بوابة لمصالحة تشريعية قد تمهد الطريق إلى مصالحة وطنية تكبح - إلى أمد بعيد - مشاريع الإقصاء السياسي، وتهيئ البيئة والبنية البرلمانيتين الملائمتين لمحاربة صادقة للفساد والمفسدين. لذلك أناشد المعنيين بالاتفاق، الاسراع في توثيقه بصياغة دستورية ثم نشره في موقع البرلمان على الانترنت تطبيقا للشفافية، ومراعاة لحقنا كمواطنين في الاطلاع على المعلومات ذات العلاقة بأداء مجلس الأمة، وتعزيزا لدور الشعب في ضمان التزام طرفي المصالحة التشريعية بتعهداتهما. على أن تعالج الصيغة النهائية من الاتفاق الاشكالات الموضوعية التي طرحها النواب والخبراء الدستوريون والنشطاء السياسيون على الاتفاقية.فعلى سبيل المثال، من بين الملاحظات البارزة على الاتفاقية تنازل النواب عن حقهم الدستوري في استجواب رئيس الحكومة، وهي اشكالية محورية إذا كان تعهدهم بعدم الاستجواب يشمل الأمور المستجدة خلال فترة سريان الاتفاق. لذلك أرى أنه يجب حصر هدنة استجواب الرئيس في الملفات المنظورة حالياً، مع التأكيد على أن الهدنة لا تحصن الوزراء، لا في الملفات المنظورة ولا في المستجدة منها، فالهدف هو التصدي لمشاريع الاقصاء السياسي، وخلق مناخ ملائم للرقابة والتشريع، وليس حصانة الحكومة من المساءلة البرلمانية عن حالات التقصير والخطأ.وكذلك يجب الاشارة - ضمن بنود الاتفاق - إلى أن إرجاع الجناسي لا يشمل إسقاط العقوبات القانونية، ولن يمنع الحكومة من اللجوء لاحقا إلى القضاء لإثبات التزوير في كيفية الحصول على الجنسية، وتباعا إعادة سحبها بصورة نهائية بعد صدور حكم التزوير. فالمسألة ليست منع الحكومة من سحب الجناسي المزورة، بل منعها من استخدام الجنسية كورقة سياسية. والحكومة قد تكون صادقة ومحقة في توجيه تهمة التزوير لعدد ممن سحبت جناسيهم، ولكن يجب على الدولة أن تمنعها من لعب دور الخصم والقاضي في علاقتها مع الأفراد.لا شك أن هناك المزيد من الملاحظات الموضوعية على الاتفاق وعلى آلية إعادة الجناسي، إلا أن ذلك يحتاج لأكثر من مقال. لذلك أنهي مقالي بمقترح أرفعه إلى رئيسي السلطتين، بأن يكلفا لجنة الشؤون التشريعية والقانونية البرلمانية بصياغة الاتفاق بنفس دستوري. كما أوصي نفسي والآخرين بالعمل من أجل تحقيق المصالحة التشريعية من خلال نشر ثقافة المصالحة، التي تستلزم تقديم التنازلات من قبل جميع الأطراف، وتتطلب منا إكبار المتنازلين لا استصغارهم. فالنواب حريصون على استمرار تأييد الشارع لمواقفهم، وإلا سيضطرون للتراجع عن الاتفاق، ولن يسعوا مستقبلاً نحو مصالحة وطنية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».abdnakhi@yahoo.com

مشاركة :