بعد أسبوع كامل على إطلاق زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري تَحرُّكه الواسع في شأن الأزمة الرئاسية في لبنان، بدا الجزم بأيٍّ من الاتجاهات التي سيرسو عليها الحريري ومصير أيّ اتجاهٍ يقرره محفوفاً بالصعوبة، حتى الآن على الأقلّ. وبات واضحاً ان الحريري لا يزال يحتاج الى استكمال تحرُّكه الدائري الواسع ليس على المستوى الداخلي فحسب، بل ايضاً على مستوياتٍ خارجية لإدراكه المؤكد بأنّ مضيّه في مبادرته الى إعادة تحريك القعر المجمّد للأزمة الرئاسية من دون حدٍّ أدنى من غطاءٍ اقليمي لن يفضي الى اختراق الأزمة، هذا في حال الافتراض ان التحرّك الداخلي سيؤدي الى بلْورة اتجاهٍ واضحٍ وراجحٍ نحو تزكية خيار انتخاب زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية والذي يتجه اليه الحريري بشكل واضح ومحدَّد. واذ يبدأ الحريري غداً زيارة لروسيا يُنتظر ان تليها زيارتان لتركيا والرياض، تتصاعد في الداخل تفاعلاتُ تَحرُّكه بقوةٍ ولكن وسط مناخٍ يزداد غموضاً وتعقيداً، في ظل معطياتٍ لا تزال تغلب عليها الاحتمالات السلبية لغير مصلحة خيار انتخاب العماد عون، وإن كان تحرّك زعيم «المستقبل» حقّق نقاطاً إضافية متقدّمة عن السابق لهذا الخيار. وتقول اوساط مواكبة لتحرك الحريري لـ «الراي» انه بعد الاسبوع الأول من تَحرُّكه، حقق الحريري قفزات نوعية في مبادرته ولكنها ليست بالمقدار الكافي للجزم بأنه يقف عند مشارف الاختراق الكبير الذي ينشده. وتحدد الاوساط النقاط الإيجابية الأساسية التي انتزعها بالآتي: - أثبت الاسبوع الاول ان الحريري لا يزال اللاعب الداخلي الأقوى تأثيراً في اللعبة السياسية رغم كل ما يحيطه من أوضاع خاصة صعبة، سواء في أزمته المالية او في مواجهته لتنامي الرفض داخل كتلته وفي الشارع السني لخيار انتخاب عون. ولعلّ الدليل على ذلك انه تمكّن من قلب المناخ الداخلي رأساً على عقب منذ إطلاقه تَحرُّكه. - تجنّب الحريري في تحركه الجديد أخطاء ارتكبها لدى اعتماده خيار ترشيح النائب سليمان فرنجية بشكل متفرّد قبل التشاور مع القيادات السياسية المعنية، فلم يعلن حتى الآن اعتماده ترشيح عون وأبقى كل الخيارات مفتوحة، وانما مع التلويح بقوّة الى اتجاهه الى خيار عون كأحد أبرز الخيارات التي يمكن ان ترسو عليها حركته. - وضع الحريري سائر القوى الداخلية امام ساعة الحقيقة وكشْف النيات الحقيقية من خلال إرغامها على إخراج ما لديها من اتجاهاتٍ ومواقف لا بد لها من تحديدها بسرعة سواء كانت مع خيار عون او ضده او كانت لديها خيارات أخرى بديلة، ولكنها في كل الأحوال مضطرة الى كشف نياتها الحاسمة. - أثبت الحريري تكراراً امام الرأي العام اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً انه الزعيم الأكثر تضحية واندفاعاً الى إنهاء أزمة الفراغ الرئاسي في المنصب المسيحي الاول في لبنان والوحيد في العالم العربي والإسلامي، وربح رصيداً كبيراً جديداً في الساحة المسيحية خصوصاً لدى جمهور أكبر قوّتيْن مسيحيتيْن هما «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية». في المقابل، تلفت الأوساط نفسها الى ان مجموع هذه النقاط المهمة لا يحجب مجموعة محاذير مماثلة قد يكون اختراقها أصعب مما يتراءى للمتفائلين بمآل هذا التحرك. اذ ان مضي الحريري نحو خيار عون أدى الى كشف الحجم الكبير من المخاوف التي يثيرها اعتماد هذا الخيار خصوصاً بالنسبة الى شخص عون لدى الكثير من القوى الداخلية، بما سيرتّب في أقلّ الأحوال أكلافاً كبيرة جداً لحمل القوى المتحفظة او الرافضة على تسهيل هذا الخيار، بما يفتح باب الابتزازات والبازارات السياسية على الغارب وهو ما لا قدرة للحريري وحده على تَحمُّله. وليس أدلّ على ذلك ان الحريري يضع نفسه أمام تحمّلِ تبعةٍ ليس مفترضاً ان يتحمّلها فريقٌ وحده ويعرّض نفسه لتكرار تجربة تسويق عون الذي فشل سابقاً في اختراق جدار الرفض له بعدما فشل مثله فرنجية في توظيف دعم الحريري له. ثم ان تحرّك الحريري لم يؤدِ بعد الى النتيجة الأبرز التي كان يفترض ان تَظهر وهي اختراق موقف «حزب الله» الذي يقف حجر عثرة أساسية أمام انتخاب رئيس الجمهورية وحتى لو كان عون نفسه. بل لا يزال الحزب يلتزم الصمت ويختبئ وراء حلفائه وأبرزهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يطرح شرطاً ثابتاً لأي خيارٍ هو المرور بسلّة تفاهمات على الرئاسة والحكومة الجديدة وقانون انتخاب جديد والتعيينات الأساسية وضوابط أخرى لإدارة السلطة. ويبدو الحزب كأنه ليس معنياً بالتحرك وينتظر اعلان الحريري بوضوح تبني ترشيح عون من دون ان يكون مضموناً انه سيسهّل هذا الخيار اذا كان القرار الايراني الثابت هو الاستمرار في توظيف ورقة الفراغ الرئاسي اقليمياً ودولياً. يضاف الى ذلك، وهو الأهمّ، الغموض في الموقف السعودي الذي يشكل محظوراً خطراً في حال اعتماد الحريري خيار عون من دون ضمان موافقة سعودية مسبقة. وتبعاً لكل هذه العوامل تقول الاوساط نفسها ان ثمة حاجة الى مزيد من الوقت والتريث قبل اتجاه الحريري الى حسْم أيٍّ من الاتجاهات والخيارات التي سيعتمدها مهما تصاعدت في اللحظة المحتدمة الحالية التوقعات المتناقضة حيال توقيت هذا الحسم ومضمونه. وكان لافتاً مع انتهاء الاسبوع الاول من المسار الجديد الذي أطلقه الحريري، تغريدة للنائب وليد جنبلاط كتب فيها ساخراً «الرئاسة في متناول اليد»، مرفقاً ما قاله بصورة من رواية «دون كيشوت»، في ما اعتُبر رسالة «مشفّرة» بأن انتخابات الرئاسة في لبنان ما زالت في طور مصارعة «طواحين الهواء».
مشاركة :