وزارة التربية والتعليم في بداية هذا العام حرصت على أن تكون احتفالاتها باليوم الوطني في مبانيها الرئيسية، ونوهت عن ذلك في أخبارها، وهذا يدعونا جميعا إلى شكر معالي الوزير على هذه الخطوة العظيمة نحو الارتقاء بثقافة العمل داخل الوزارة، والقضاء على أحد أهم مصارف الهدر فيها. في الواقع، نحن ما زلنا ننتظر الكثير من معالي وزير التعليم، ومن ذلك الجدية في التعامل مع بعض القضايا. مثلا، جامعة الباحة التي افتتحت العام الدراسي بهمومها وآلامها، والتي تتمايل كل يوم في قاعات أفراح مستأجرة، وأنهار من الصرف الصحي تحت أقدام طالباتها، وندرة ورق كما كتبت الإداريات فيها في الهاشتاق الذي صار متنفسا لكل من له علاقة بها، حتى وصل الأمر إلى أن يشارك قيادي فيها في هذا الهاشتاق بنشر أحزانه، مما دفع الوزارة أخيرا إلى الرد ونفي كل ما قاله هذا القيادي. متحدث الوزارة يبدو أنه اعتمد على تحقيق سليماني -نسبة إلى نبي الله سليمان عليه السلام- إذ لم يتجاوز إعلانه سوى عدة أيام على تغريدات القيادي، مما يدفعنا إلى التساؤل حول جدية الوزارة في مثل هذه البيانات التي يصدرها متحدثها، والتي تهز ثقتنا في اهتمامها بالقضايا، فأي تحقيق هذا الذي يبدأ وينتهي في أيام، كما أن هناك قضايا مثل تغريدات مسؤولين في "فطن"، والتي رد الوزير على الرأي العام بأنه يثق فيهم، مما يدفعنا إلى الحيرة، خاصة من رجل مثله نعرف أنه يعرف أن تغريدات كهذه لا يجب أن يتم تجاهلها، وأنه لا بد أن يحقق ثم يخبرنا عن ثقته بهم حتى تطمئن قلوبنا، لأن الذي بين يدي هؤلاء هم أطفالنا الذي نودعهم في الصباح ليعودوا بمستقبل السعودية في المساء. بالأمس، وقعت حادثة في الباحة، أيضا ظهر فيها تصرف غريب من مدير تعليم الباحة تجاه شيخ مسنّ، يبدو كانت له حاجة عند وزير التعليم، فتكلف الشيخ ومرّ بين الناس، والذي يبدو أنهم كانوا أكرم وأكثر تهذيبا ممن دفعه بيده في مشهد التقطته الكاميرا، ويظهر فيه الوزير بالتفاته نحو الحدث ثم عاد إلى الطفل ثم انقطع المشهد. هل للوزير أن يتساءل عن جرأة هذا المسؤول على إهانته مسنّا، وليس بينه وبين رئيسه الأول سوى ربع متر؟ هل يظن مدير التعليم أن الوزير سيقبل تصرفا كهذا أم هو واثق من أن جبل الثقة الذي يمنحه معالي الوزير لمديري التعليم والجامعات لا يهزه ريح، ولو حتى إهانة شيخ حقه تقبيل رأسه وتحقيق طلبه؟! وزارة التربية والتعليم حمل ثقيل جدا، ولا يخففه سوى الاختيار الدقيق لرجال الوزارة والمسؤولين فيها، ورفع درجة المعايير عند اختيار مدير المدرسة والإدارة، فمثل هذه التصرفات تدلل بوضوح على عدم أهلية بعض الأشخاص لتولي مكانة تشرف على غرس القيم والأخلاق في الناشئة. كما أن جرأة التصرف تدل على أن السيد مدير التعليم لا يخشى المساءلة ولا يتوقع الرقابة، رغم ما حوله من عشرات الكاميرات، وهذا مؤشر خطير، على الوزارة أن تعيد حساباتها بشأنه. هل لديهم نظام جيد للمساءلة؟ وما حدوده؟ وماذا يتوقع المخطئ من هذا النظام؟ أسئلة متعددة لا تحتاج إلى بيان من متحدث الوزارة، بل إلى عمل إصلاحي حقيقي.
مشاركة :