كتبت سابقا عن هذه المقولة، وأعود لأكتب فيها ثانيا، هذه المقولة، واقع ملموس، للأسف الشديد، ينطبق على كل من حمل سلطة أكبر من حجمه فتغطرس وتكبر. أقول بعضا ولا أعمم!! «لا تكن كقمة الجبل ترى الناس صغارا ويراك الناسُ صغيرا». هذه النوعية من البشر منتشرة في أكثر المجتمعات، ويكثر انتشارها في دوائر ومؤسسات، وشركات ترقد في سُبات عميق من جهل التطور، والتحديث وفن التعامل مع الآخر.. هم الأكثر سوءا مما نتوقع، مع احترامي للوظائف التي يحملونها، يظنون بغرورهم أنهم خرقوا الأرض، وبلغوا الجبال طولا، ووصلوا القمة، «وعِبادُ الرحمنِ الذِين يمشُون على الأرضِ هونا وإِذا خاطبهُمُ الجاهِلُون قالُوا سلاما».. المشكلة أنهم حملوا الوظيفة على ظهورهم، وهم لا يعرفون ثقل ومسؤولية وأمانة ما يحملون!! «مثلُ الذِين حُمِلُوا التوراة» غير متمكنين من أعمالهم، أو غير مؤهلين لأدائها بعلم، وفهم، ودراية. أعتقد أنهم دخلوا المؤسسة بالواسطة أو بطريقة ملتوية، طريقة «فلنخدمه اليوم ليخدمنا غدا». مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، لا بطريقة اختيار الكفاءات والقدرات. أمر مستشر في منطقتنا العربية التي تسود فيها المصلحة بين الأفراد، على حساب المؤسسة، أو الشركة، ومن يتعامل معها من المغلوب على أمرهم. على المراجع إذا أراد أن ينجح في الحصول على معاملاته أن يدرس أمزجتهم وينافق، حتى لا يُعاد لمسافات كبيرة للخلف. نوع من أنواع التسلط، يتحكمون في مصائر الناس، ويضيعون أوقاتهم، هؤلاء هم قمم الجبال البشرية التي رسمها لهم خيالهم الخصب، وجنون العظمة، وساعدهم وضعهم في غير مكانهم المناسب!! يرون الناس صغارا بنظرتهم الدونية للناس وتعاليهم عليهم، ويراهم الناس أصغر لمعرفة حقيقتهم. في إحدى المؤسسات رأيت أمثالهم، وجوههم العابسة سمة تميزهم، وكأن الشخصية والعظمة بالتكشير في وجه المراجع. قمة الجبل لبعد المسافة تُرى صغيرة، وقد لا تُرى بالعين المجردة، وهم كذلك بالنسبة للناس لتعاليهم وتكبرهم. لو يعلم هذا المسؤول أن من وضعه على هذا الكرسي، من السهل جدا سحبه من تحته ووضع شخص آخر في أي لحظة لما تصرف بهذا السلوك. أنصحهم لمصلحتهم، ومصلحة المراجع، ومصلحة المؤسسة التي يمثلونها، بالنزول من قمم الخيال ومشاهدة قمم الجبال الحقيقية بأم أعينهم، ليصدموا بواقعهم الحزين، وحجمهم الطبيعي. اقتربوا لتكبروا إذا أردتم لذاتكم قيمة، وحتى أكون منصفة.. توجد أجهزة ومؤسسات حكومية، وشركات على مستوى عالٍ من الوعي المهني، والرقي والخُلق الحضاري «وهمُ كثرُ» نكاد نلمس ما بداخلهم من دماثة خلق وصفات إنسانية نبيلة نلمسها من خلال بسمة الموظف، أو المدير، التي تستقبل المراجع، وتتقدم عمله المشهود له بالإخلاص، والدقة، والسرعة، والكمال. موظف شامل، خاصة في عصر التكنولوجيا، الذي يفرض ويحتم الشمولية، التي تحمي المراجعين من الجري «الماراثون» بين الأقسام. نجاح موظفي هذه الدوائر، والمؤسسات، حكومية كانت أم خاصة، تعكس صورة نجاح مؤسساتهم، التي بالتأكيد أعدتهم بالشكل الأمثل. أؤكد رأي من يقول «فتش عن الإدارة» عملا وخلقا، العمل أخلاق والأخلاق حضارة، وحضارتنا في أخلاقنا حتى لا نعيش أزمنة قادمة من التخلف. للأسف قلة من الشواذ شوهت وجه المجتمع، أو كادت، سلوك غريب أيضا لاحظته من بعض مسؤولي الدوائر المتسلطين، المدير ومن ضده، مفهوم الولاء في هذه الحالة يحكم الموقف، وليست كفاءة الضد، فسرعان ما يتخذ قرارات لاستبعاد كل من لا يدينون له بالولاء!!، مما يؤدي إلى تعطيل إنتاجية العمل داخل الدائرة ذاتها!، لا يهمه استشراء المحسوبية والفساد داخل المؤسسة، ما دام الأمر لن يمس مصلحته، ومن ثم اهتزاز المؤسسات وسقوطها، وشيئا فشيئا تتحول المواقف إلى انتكاسة في القيم، ومستوى العلاقات في المجتمع.
مشاركة :