فضلاً لا تكن منهم.. لا تكن مجرماً

  • 7/22/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بعد التحية والسلام "معرفش" كلمة بلهجة مصرية بمعنى لست أعرف، وترجع أصول الكلمة عربياً لـ"ما أعرف شيئاً". وبرأيي توجد علاقة وثيقة بين كلمتي معرفش وأمية، حتى قد يكونان مسمَّيَين مختلفين لمعنى واحد؛ فمعرفش عدم المعرفة بشيءٍ ما تماماً كالأمية، كذلك تتعدد المجالات التي لا يعرف الشخص عنها شيئاً، وكذلك الأمية، فكما يوجد معرفش تكنولوجياً يقابله كذلك أمي تكنولوجياً، وكذلك معرفشي ثقافياً يناظره أمي ثقافياً.. وهكذا إلخ المجالات. أي قد تكون قارئي العزيز عضواً في نفس الحزبين دون درايتك، وبالطبع فأنا لا أتحدث عن شخص تسأله سؤالاً ما فيجيبك بمعرفش، عدم المعرفة ليس عيباً في ذاته، فيصعب جداً ملاحقة كافة الأخبار والحقائق الحادثة بعالمنا سريع التغير هذا لحظةً بلحظة، حتى إنه قد يستحيل. العيب في إصرار الشخص على عدم المعرفة، حتى إنه عند سؤاله مرةً أخرى لا تلاحظ أي تغير في إجابته، فما زالت بكل فخرٍ خلال مطه لشفايفه معرفش، حتى إنك قد تشعر وكأن رأسك قد اصطدم بشيء، ولا ترى سوى سواد اليأس المعتم. "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ" سورة الأنفال، أن تكون شخصاً معرفشي أمي يعني أنك جاهل، والجهل مصيبة يمكن التغلب عليه أما عند إصرارك عليه تكون المصيبةُ أعظم، فكما أوضحت الآية الكريمة فإن أسوأ المخلوقات وأشرها عند الله هي التي تسير بمبدأ لا أرى لا أسمع، فهي تسبح عكس تيار المنطق، وتشذ عن طبيعة العقل البشري في البحث، والسؤال عما يشغله، فبالتالي أن تكون شخصاً معرفشي يعني أنك شخص منقوص العقل. يجب عزيزي القارئ معاملة عقلك معاملة الصديق تماماً، هو خلق لأجلك فاستخدمه، غذّه بما يحب ونمّه بالمعلومات والحقائق، صادقه مصادقتك لصديقك وحبه كحبك له، فإنك إن لم تكن معه تكن عليه، إن لم تبحث وتجيب عن تساؤلاته تخلق منه عدواً لك فيؤلف لنفسه حقائق أخرى هي في الحقيقة تخاريف مجردة، ولأن عليه أن يعمل كما خُلق ومن يقف في طريقه هو مالكه يصبح منتجه ليس فكراً إنما ضرباً من الجنون، فتصبح على الدجل وتمسي على الخرافات، وهكذا ليس من يتحول لعدو نسميه عقلك لا بل أصبح جهلك، فالعقل يتسلح بالعلم ليس بالجهل، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "صديقُ كل امرئٍ عقله وعدوه جهله". لا تخف عزيزي القارئ من أسئلة عقلك فهو خلق لك لا عليك ليهديك ليس ليضلك، ابحث معه لتشفيه بإجاباتٍ صريحةٍ مقنعة ترضيه فكما ذكرت سابقاً هو صديقك، "ويلٌ لأمةٍ تُحرِّم الأسئلة.. تحريم الأسئلة لا يعني العجز عن الجواب فقط، بل الإجبار على الجهل"، حسن فرحان المالكي، "على العقل أن يناقش وينقد، ويطلب دليلاً على كل قضية، وهذا ما يعلمه لنا القرآن، "قُل هَاتُواْ بُرهانكُم إِن كُنتُم صَادِقِينَ"، "نَبِّ‍ُٔونِي بِعِلمٍ إِن كُنتُم صَادِقِينَ" العلّامة يوسف القرضاوي. وإلا فإن لم يجب الإنسان عن أسئلة عقله فمن أين له تعمير الأرض ونشر رسالة السلام والإسلام فيها؟! لذلك عزيزي أن تكون معرفشي يعني أن تكون جاهلاً. وبطبيعة الحال من يبني الأرض ويصلحها ويعمِّر فيها هو العالِم ليس الجاهل، فبينما يجتهد العالم وينقب عن أي أثر للعلم يبقى الجاهل مصدراً للتخلف المجتمعي، وبالتالي مصدر أمراضه فتنتشر أنواع الإدمان والعنصرية والتعصب، فينتج عن ذلك تخريب وتهديم ما قام به العالم فيطبَّق عليه المثل الشهير "ليس منه ولا كفاية شره"، فلا يقوم بالإصلاح ويساعد على تطور المجتمع، لا بل يفسد، وبالتالي يؤخر لذلك أن تكون معرفشي يعني أنك مُصَدِّر للفساد والتخلف. دينك أو فكرك كما "الإسلام يعتبر التقدم العلمي وما يثمره في الحياة عبادة يتقرب المسلم بمعرفتها وإتقانها إلى ربه، كما يتقرب بالصلاة والصيام" الشيخ يوسف القرضاوي. ولم يقتصر الأمر في الإسلام على مجرد العبادة بل رُفع الأمر وعُظِّم قدره بعظمة الفرض، فكما قال صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، ليس الأمر اختيارياً يا مسلمون بل إنه كما تعرفون قد يأثم كل أفراد المجتمع إذا تُرك مجال هام من مجالات العلم لم يدرسه أحد من المسلمين؛ لذلك قارئي أن تكون مسلماً معرفشي يعني أنك مسلم عاصٍ. يحتاج الإنسان لمن يدعمه ويؤازره وبطبيعة الحال لن يلتف الناس إلا حول من يحسبونه صالحاً مفيداً، ولأن الإنسان المعرفشي كذلك يحتاج لمن حوله فإما أنه يكذب ويفتي بما لا يعلم، أو أنه يأخذ ضِعاف الناس علماً أمثاله لطريق آخر هو طريق الدجل والشعوذة؛ لذلك أن تكون إنساناً معرفشي يعني أن تكون دجالاً كذوباً. أن تكون طالباً أو موظفاً ويفوتك الكثير من الحقائق في مجالك ولا تسعى لأن تسد ثغور الجهالة هذه في حائط شهادتك، ويوجد الكثير من الكثير ممن يحتاجون لفرصة كفرصتك وممن لو وضعوا مكانك لما كانوا أسرفوا فيه بل استغلوه أفضل استغلال، إنما عدلاً ليس من العدل في شيء جعل من كسول في هذا المكان نشيطاً مستحقاً يهيم في الشوارع وتحت الكباري؛ لذلك أن تكون معرفشي يعني أنك كسول مبذر. لم يعد العلم كما كان بالسابق لمن يستطيع إليه سبيلاً، بل أصبح في ظل ثورة التكنولوجيا المتفجرة هذه موجوداً لمن يريده في كل مكان، كما أن العلم كان وما زال لجميع الناس في كافة الأعمار غير مقتصر على عمر بعينه، فابدأ حيث توقفت، ومن الآن، فلم يعد هنالك عذر لطول فترة المعرفشي، "الإنسان ملزم بالمعرفة، الإنسان مسؤول عن جهله، الجهل خطيئة"، ميلان كونديرا "حاولوا أن تطفئوا حرائق الجهل ثم تضيئوا أنوار العلم، هذا هو الداء والدواء" جلال عامر. يبدأ طريق معرفتك -عزيزي- حين تتوقف عن استخدام لفظة "معرفش"، ثم تمحوها من قاموسك اللغوي، وتبدأ استخدام كيف أعرف وسأعرف. اسعَ لتكون حجراً في بناء حضارة ومجد أمتك، وابتعد تماماً عن أن تكون معرفش؛ لأنه وأخيراً برأيي أن تصر على أن تكون معرفشي، يعني أن تكون مجرماً في حق نفسك ومجتمعك. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :