نبه رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام إلى أن البلد «يمر بواحدة من أصعب المراحل في تاريخه على الإطلاق، والأزمة باتت تتطلب معالجات فورية تفادياً للأسوأ»، مؤكداً «أن المدخل إلى التحصين الوطني، أن نذهب اليوم قبل الغد، إلى انتخاب رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، والقائد الأعلى للقوات المسلحة». موقف سلام التحذيري جاء خلال رعايته حفلة إطلاق كتاب «نهوض لبنان نحو دولة الإنماء» بدعوة من رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس، في السراي الكبيرة وفي حضور حشد من الشخصيات السياسية والاقتصادية والروحية. وشدد سلام على «أن الواقعية تفرض اليوم الصمود ثم الصمود... ثم الصمود». وقال: «بلا بوصلة وطنيةٍ واحدة، نتنازع ما بقي على المركب، وهو قليل، غافلين عن شقوق يتسرب منها الخطر». وأضاف: «على أبوابنا حرب مهولة تشارك فيها جيوش وأساطيل وميليشيات وطوائف ومذاهب، وتصطدم فيها أحقاد التاريخ بوقائع الجغرافيا، فتزال أوطان وتباد مدن وتقتلع أقوام من أرضها لترمى في المنافي. ولن ننجح في إقامة واحةٍ مزدهرة، وقد انضم إلى مائدتنا الصغيرة، بلا موعدٍ مسبق، مليون ونصف مليون ضيف، نتقاسم وإياهم، طوعاً وعرفاناً، أرغفتنا القليلة وأقفلت في وجهنا أبواب التصدير البري، وصار الموسم السياحي محصوراً بأهل البيت». وحذر من أننا «لم نعد أمام صراع إرادات، أو سباق مصالح، أو لعبة نفوذ، إنما أمام مصير وطن. وأننا مدعوون إلى حملة الإنقاذ الوطني وقادرون على خوضها، وعندما نقرر لن نكون ضعفاء مجردين من أي سلاح، فلدينا منه الكثير». ولفت إلى أن «لبنان يتمتع باستقرارٍ أمني بفضل جيشه وقواته الأمنية التي تشكل شبكة أمان حامية لسلمه الأهلي، ويملك نظاماً مصرفياً قوياً، يحقق نسب نمو متقدمة على رغم كل الظروف، ويحظى بنظام نقدي مستقر، بفضل سياسة حكيمة ومتبصرة ينتهجها المصرف المركزي، ولا يوفر وزير المال علي حسن خليل جهداً للحفاظ قدر المستطاع، على توازن مقبول في مالية الدولة في ظل أوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة». وأضاف أن لبنان «يملك قطاعاً خاصاً نشطاً، ويحمل في جوفه، مخزوناً كبيراً من النفط والغاز، سيعود بالخير عليه وعلى ناسه، ولو أننا تأخرنا في ذلك». وزير المال وحذر الوزير خليل من «أننا في خضم النقاش والاختلاف السياسي حول الموضوعات الكبرى، نضيع فرصة إقرار قانون للانتخاب، لنضع اللبنانيين أمام احتمالين إما تأجيله وهو أمر مرفوض قطعاً، وإما البقاء على القانون القائم وهو قانون يؤدي إلى مزيد من الخنق في حياتنا السياسية». ولفت إلى «أننا أمام مسؤوليات عدة أولها وقف الانهيار السياسي وتلاشي المؤسسات وأضعافها، مسؤولية إعادة بناء ثقة المواطن بالدولة وإداراتها ما يتطلب الترفع للوصول إلى تفاهات حقيقية تؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتفعيل عمل المجلس النيابي والحكومة والتحضير الجدي لانتخابات نيابية على أساس قانون جديد يعكس التمثيل الحقيقي». وتحدث عن «مسؤولية وقف انهيار الوضع الاقتصادي بالانتقال من حال الركود وانخفاض المؤشرات الاقتصادية إلى حال الاستقرار التي تتطلب إجراءات تطاول جميع المرافق التي تدفع بحركة النهوض من معالجة البنية التحتية إلى تقديم الخدمات الأساسية إلى إقرار قوانين تساعد على تشجيع الاستمرار في الإجراءات المبسطة، وتطوير قوانين العمل والضمان الاجتماعي وتطوير الطاقة العاملة وتوزيع الاستثمار الحكومي والمركزية الإدارية والشراكة الفعلية بين القطاعين الخاص والعام وتطوير الاستثمار في كل الاغتراب». وأشار إلى «الخطة المتكاملة التي قدمناها أمام مجلس الوزراء لنقاشها داخل المجلس وأمام الرأي العام مستقبلاً من أجل إقرارها، إذ لم يعد مقبولاً أن نستمر من دون صدور موازنة عامة للدولة». وأشاد وزير العمل سجعان قزي بالكتاب الذي هو «بمثابة مشروع لحكم لبنان الجديد، وهو ميثاقي، لأن الذين اشتركوا في كتابة مواضيعه متعددو الانتماءات الفكرية والطائفية والمذهبية». نسناس والقصار وشقير واعتبر نسناس أن اللقاء «دعوة صريحة للانتقال من السجال إلى العمل»، واصفاً سلام بـ»رجل المهمات الصعبة، الذي يتصدى للظروف القاسية والحرجة بحكمة وصبر كي تبقى دولة ومؤسسات». ووصف الكتاب بأنه «نداء إلى الجميع كي ينخرطوا في حوار علمي وعملي لصوغ رؤية جامعة للإنقاذ. فنحن أمام مفترق، في الداخل تتراكم الأزمات والتحديات ويحاصرنا الاختناق السياسي والاقتصادي، وتكبلنا الضائقة الاجتماعية والمعيشية وهجرة الكفاءات، وتراجع الاستثمارات الخارجية، وتزايد عجز المالية العامة وتفاقم البطالة والفساد، واندحار الطبقة الوسطى وتضخم أعباء الصحة والتعليم والشيخوخة وتعاظم الأخطار التي تهدد سلامة البيئة، إضافة إلى مسألة النزوح السوري التي تفوق قدرة لبنان على تحمل أعبائه». وأضاف: «وفي المنطقة، التغيرات تتلاحق باتجاه يهدد دور لبنان الاقتصادي المعهود». وقال: «يبقى السؤال الكبير: أي دور اقتصادي للبنان في القرن الحادي والعشرين؟ كيف ننظم علاقاتنا الاقتصادية مع الوقائع المستجدة في المنطقة العربية؟ وكيف نطور دورنا الاقتصادي مع العالم؟ آن الأوان لإرساء معالجات استثنائية وشاملة، فعامل الوقت مهم، والتنافس على الأدوار داهم، ومسؤوليات الدولة وحاجات المواطن لا تحتمل التعطيل. ومثلث النهوض في الداخل يقوم على: الأمن، الوفاق والإنماء، ويرتكز في الخارج على: تفعيل علاقات الانفتاح الاقتصادي مع العالم, اجتذاب الاستثمارات العربية والأجنبية وتوظيف قدرات الاغتراب في معركة الإنقاذ». وسأل رئيس «الهيئات الاقتصادية» عدنان القصار ما «إذا كانت القوى والأطراف السياسية تعي إلى أين تأخذ البلاد نتيجة مواقفها السلبية في ظل غياب رئيس الجمهورية وتعليق عمل الحكومة وشلل عمل المجلس النيابي وتعليق جلسات الحوار الوطني؟ وهل يتحمل لبنان وسط النيران المندلعة من حولنا تداعيات الفوضى التي يمكن أن تشهدها البلاد في حال استمر الواقع على ما هو عليه؟». وحيا سلام «الذي تحلى بسعة الصبر والأناة، ولا يزال يؤدي دوراً استثنائياً في سبيل الحفاظ على الحد الأدنى من التضامن الوزاري انطلاقاً من حرصه على المصلحة الوطنية التي تستدعي بقاء الحكومة وعدم سقوطها أو استقالتها على رغم الخلافات بين مكوناتها»، مشدداً على أن «الباب الأول والإلزامي للانتقال إلى مرحلة جديدة بإعادة الحياة إلى المؤسسات الدستورية وعلى رأسها موقع الرئاسة الأولى». ودعا رئيس اتحاد الغرف اللبنانية رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير «أهل السياسة إلى إنجاز الاستحقاقات الدستورية وأولها انتخاب الرئيس»، منبهاً إلى أن «المسكنات لم تعد تجدي نفعاً». واعتبر أن «الرؤية الشاملة التي يتم إطلاقها ستشكل مرجعاً أساسياً، خصوصاً بما سيحصل حولها من نقاش عميق مع مختلف الأفرقاء». وتوقف عند «المحاولة الجديدة والجدية يقوم بها الرئيس سعد الحريري لإيجاد مخرج ينهي الشغور الرئاسي وكلنا أمل بأن يوفق». وأعلن رئيس «الاتحاد العمالي العام في لبنان» غسان غصن دعمه مبادرة نسناس «والحوار الاجتماعي الجاد للخروج بخريطة طريق عملية تدعم الإنتاج والعمل من خلال الشراكة الاجتماعية بين كل مكونات المجتمع مؤمنين بميثاق العدالة الاجتماعية ومن قبلها الاستقرار السياسي الذي لا يستقيم إلا بانتخاب الرئيس الذي يعيد الحياة إلى دولة المؤسسات».
مشاركة :