حوار: يمامة بدوان أكد الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير التغير المناخي والبيئة، أن القطاع الزراعي يعتبر الدعامة الأساسية للبنية الاجتماعية والبيئية، من خلال مساهمته في إحداث التنمية المستدامة الشاملة، وأهميته كمحور أساسي من محاور الأمن الغذائي، خاصة نتيجة وجود فجوة غذائية كبيرة ومؤثرة في الاقتصاد الخليجي والعربي في معظم المحاصيل الزراعية الأساسية، ما يجعل قضية تأمين الغذاء من أهم الأولويات، التي يجب الاهتمام بها، والعمل دوماً على تضييق تلك الفجوة وتحجيمها. وطالب في حوار مع الخليج، بتوحيد جميع جهود الجهات في الدولة في بوتقة واحدة، والمتعلقة بمسألة الأمن الغذائي، كونها محور اهتمام الجميع، كي تنتج سياسة واستراتيجية حكومية اتحادية، للوصول إلى أمن غذائي مستدام، يعتمد على تنمية وخطط وبرامج مستدامة، لافتاً إلى أن أهم أسباب وقوع العالم العربي في فجوة غذائية كبيرة في أمنه الغذائي هو ضعف البحث العلمي وابتعاده عن أن يكون بحثاً تطبيقياً، خاصة في مجال الأبحاث الزراعية، لنقص التمويل والميزانيات الخاصة في الأبحاث. وأكد أن الوزارة تعمل بشكل دؤوب على متابعة حالة انتشار الآفات والأمراض الزراعية في البلدان المصدرة للدولة، واتخاذ القرارات اللازمة نحو حظر الاستيراد من الدول في ضوء تلك المستجدات، حيث تتواصل جهود الوزارة الرامية إلى توفير غذاء سليم وآمن للمستهلكين، بما يتوافق مع أفضل الممارسات العالمية. ولفت إلى أهمية وضع الإنتاج الزراعي المحلي والمستدام داخل الدولة في الاعتبار، أثناء تطوير خطط للأمن الغذائي، حيث تدرس الوزارة دراسة إمكانية إنتاج أصناف تمور متعددة في أوقات متفاوتة من العام، وليس كلها في الوقت نفسه، كما يجري العمل على تطبيق الممارسات الزراعية ذات التقنيات العالية، ودعم القدرات العملية للمزارعين، وتقديم كل التسهيلات التي تسهم في رفع مستويات الإنتاج الزراعي المحلي ليضاهي المعايير العالمية الغذائية. وفي ما يلي الحوار: التغير المناخي * ما هو التغير المناخي وأهميته، وكيف يؤثر في الدولة حالياً ومستقبلاً؟ عندما نتحدث عن التغير المناخي، فإننا نتحدث عن أي تغير مؤثر وطويل المدى في معدل حالة الطقس يحدث لمنطقة معينة، ويمكن أن يشتمل معدل حالة الطقس على معدل درجات الحرارة، ومعدل تساقط الأمطار، وحالة الرياح، وأمور مناخية كثيرة أخرى، كما يمكن أن تحدث هذه التغيرات بسبب العمليات الديناميكية للأرض، كالبراكين والزلازل، أو بسبب قوى خارجية كالتغير في شدة الأشعة الشمسية، أو سقوط النيازك الكبيرة، وقد تحدث بسبب نشاطات الإنسان، مثل قطع الغابات وحرق الأشجار، ما يؤدي إلى اختلال في التوازن البيئي، واختفاء أنواع من الكائنات الحية وظهور أخرى. كما ينطوي تحت ذلك أيضاً التلوث بأنواعه الثلاثة، البري والجوي والبحري، فعلى سبيل المثال، يتوقع العلماء أن ترتفع درجات الحرارة خلال العقود المقبلة من 1.4 إلى 5.8 درجات مئوية، وقد يسبب هذا الارتفاع الكثير من التغيرات البيئية، كذوبان الجليد والأعاصير وتغير حركة الرياح، ما يؤدي إلى فيضانات في مناطق معينة، وجفاف في مناطق أخرى، وحدوث ظواهر مناخية كظاهرة تسونامي وغيرها، وقد أظهرت اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) دليلاً جديداً وأكثر قوة، يؤكد أن معظم أسباب ارتفاع درجات الحرارة على مدار ال 50 عاماً الماضية، يمكن أن تعود إلى الأنشطة البشرية، حيث أدت هذه التغيرات المناخية إلى حدوث الكثير من المخاطر البيئية تجاه صحة الإنسان، مثل نضوب طبقة الأوزون، وفقدان التنوع الحيوي، وزيادة الضغوط على الأنظمة المنتجة للغذاء، وانتشار الأمراض المعدية بشكل عالمي. مضامين ومتغيرات * ما هي علاقة التغير المناخي بالأمن الغذائي، خاصة وأنكم أخذتم على عاتقكم حمل ملف الأمن الغذائي وهو ملف كبير ومتفرع؟ ينطوي الأمن الغذائي على مضامين ومتغيرات عدة، تعتمد اعتماداً كلياً على التغير المناخي، الذي هو بدوره له برامج تكيف وبرامج معالجة وتخفيف من حدة آثاره، حيث إن التغير المناخي أمر واقع، ونحن متأثرون به كغيرنا من الدول، ولذلك من المهم أن تكون لدينا سياسات تأخذ في الاعتبار التغير المناخي كمحرك أساسي من محركات المستقبل، وهو ما عملنا عليه منذ الأيام الأولى لاستلامنا مهامنا. وقد حرصنا دائماً على تبني برامج التكيف وتخفيف آثار التغير المناخي، فمثلاً، استنباط أصناف جديدة مقاومة للجفاف وملوحة التربة للمساعدة في وضع استراتيجيات جديدة للزراعة، كما أننا نعمل حالياً على إعداد السياسة الوطنية للغذاء والزراعة، إضافة إلى تطوير الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي. ويؤدي التغير المناخي إلى إحداث تقلبات في إمكانات الدول المنتجة للغذاء، نتيجة الجفاف أو الفيضانات، أو ظهور آفات جديدة، أو انخفاض الإنتاجية الزراعية، وغير ذلك من الأسباب، وباعتبارنا دولة مستوردة للغذاء بنسبة كبيرة تصل في بعض المحاصيل إلى 90%، فقد تصبح بعض الدول التي نستورد منها حالياً محاصيل معينة عرضة للتغير المناخي، وبالتالي قد يتوقف إنتاجها الغذائي، وفي الوقت ذاته، دول أخرى ربما تكون غير منتجة حالياً لمحاصيل معينة قد تصبح دولاً مصدرة للغذاء، ومن هنا، لا بد من دراسة هذه التداخلات وأخذها في الاعتبار عند بناء سياسة اتحادية للأمن الغذائي للدولة، وهذا ما نحن بصدده في الوقت الراهن. صحيح أن مسألة الأمن الغذائي هي محور اهتمام الجميع، وهناك عدة جهات في الدولة تتولى هذا الموضوع، لكن لا بد أن تنصهر جميع هذه الجهود في بوتقة واحدة تنتج سياسة واستراتيجية حكومية اتحادية، تكون نبراساً يضيء لنا الدرب الذي سوف نسير عليه جميعاً، للوصول إلى أمن غذائي مستدام، يعتمد على تنمية وخطط وبرامج مستدامة. سياسات وتشريعات * باعتقادكم، إلى أي مدى تساهم السياسات والتشريعات الصادرة عن الوزارة في تعزيز الأمن الغذائي في الدولة؟ إن تعزيز سلامة الغذاء واستدامة الإنتاج المحلي، يعدان من الأهداف الاستراتيجية للوزارة، وفي مجال السلامة الغذائية، تتواصل جهود الوزارة الرامية إلى توفير غذاء سليم وآمن للمستهلكين، بما يتوافق مع أفضل الممارسات العالمية، كما تسعى الوزارة لتعزيز الثروة الزراعية والحيوانية والسمكية في الدولة، من خلال إصدار التشريعات والقرارات المنظمة لسلامة الأغذية، ومنها القرارات المتعلقة بإحكام الرقابة على منافذ الحجر الزراعي والبيطري، والإرساليات الغذائية المستوردة، إضافة إلى إصدار القرارات الوزارية لحظر أو رفع الحظر عن استيراد الحيوانات الحية والدواجن ومنتجاتها من الدول التي تنتشر فيها الأمراض والآفات المحجرية، حيث تعمل الوزارة على متابعة الوضع الصحي للثروة الحيوانية في دول العالم، ومتابعة مستجدات وتطورات انتشار أو تسجيل أي بؤر مرضية للثروة الحيوانية في دول العالم، ويتم إصدار قرارات حظر الاستيراد أو رفع الحظر في ضوء تلك المستجدات. ولا يسمح بالاستيراد إلا من الدول التي تلتزم بالمعايير الدولية المعتمدة لإجراءات الصحة الحيوانية والنباتية والحجر البيطري والزراعي، كما صدر القانون الاتحادي رقم 10 لسنة 2015 بشأن سلامة الغذاء. البحث العلمي * ما مدى اهتمامكم بالبحث العلمي الزراعي، وما هي أهدافكم من خلال مراكز الأبحاث الزراعية؟ يعتبر البحث العلمي أساس تقدم الأمم، ونحن نعلم أن أحد أسباب ضعف الأمن الغذائي العربي، ناجم عن ضعف البحث العلمي، الذي يرجع إلى عدة أسباب، منها نقص التمويل والميزانيات الخاصة بالأبحاث، حيث يعمل البحث العلمي على تحديد المشكلة، أو ما يسمى حديثاً تحديد المخاطر، ومن ثم يقدم حلولاً، أو طرقاً يمكن من خلالها الحد من تلك المخاطر، أو إزالتها تماماً. أيضاً من أهم أسباب وقوع العالم العربي في فجوة غذائية كبيرة في أمنه الغذائي هو ضعف البحث العلمي وابتعاده عن أن يكون بحثاً تطبيقياً، خاصة في مجال الأبحاث الزراعية، ولا بد أن يكون البحث عن طريق مشكلة يواجهها المزارع بشكل مباشر، في ظل وجود الكثير من المشكلات الزراعية التي تحتاج إلى حلول وأبحاث، مثل سوسة النخيل الحمراء، خاصة أننا نقاوم وبشكل جيد وكبير هذه الآفة، لكننا لم نتخلص منها بشكل نهائي للآن. ولدينا 3 مراكز بحثية موزعة في الدولة، وهي مركز دبا في إمارة الفجيرة، وهو متخصص في مجال الخضروات والأشجار المثمرة وإنتاج الأشتال والزراعة النسيجية والأشجار الحرجية والشجيرات المحلية، كذلك مركز الحمرانية المتخصص في النخيل، وفيه أكبر مجمع للنخيل وأمهات النخيل في الدولة، وفيه مختبرات المكافحة المتكاملة للآفات، فضلاً عن مركز الابتكار في الذيد بإمارة الشارقة، والمخصص للأعلاف والثروة الحيوانية، كما يحتوي على بيوت محمية للزراعة الذكية مناخياً، كالزراعة المائية والزراعة العضوية. وكان لابد من العمل على إعادة إنشاء هذه المراكز الثلاثة، التي تشكّل ثروة قومية للقطاع الزراعي، ليتم استخدامها بشكل جيد، كي تؤدي دورها الصحيح في حل المشكلات التي يواجهها القطاع الزراعي في الدولة. رؤية تطويرية * لنتحدث عن رؤيتكم لتطوير القطاع الزراعي؟ هنا لا بد من أن نستذكر قول المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، ونستلهم منه عبارته الشهيرة أعطوني زراعة.. أعطكم حضارة، ومع انعدام الأمن الغذائي لن تتقدم الأمم والشعوب، ولن تكون هناك حضارة، وستنتشر الحروب والدمار والصراعات والأمراض، وسيتفشى الفقر والجهل والتخلف، وبمنتهى البساطة ليس هناك غذاء من غير زراعة، حيث حققت دولة الإمارات العربية المتحدة إنجازات كبيرة في القطاع الزراعي، رغم طبيعتها الصحراوية وندرة المصادر المائية فيها، بفضل الرؤية السديدة للقيادة الرشيدة، التي وضعت القطاعات المعنية في الدولة على أولوية أجندة التنمية، وتحقيق كل عوامل الاقتصاد الأخضر، وبناء مستقبل مستدام لأجيال المستقبل. وأثناء تطوير خطط للأمن الغذائي، يتعين وضع الإنتاج الزراعي المحلي والمستدام داخل الدولة في الاعتبار، فعلى سبيل المثال، يتوفر لدينا محصول التمر وهو محصولنا الوطني، ويمكن تخزين التمر في الظروف الطبيعية، ولكننا في الوزارة ندرس إمكانية أن يكون المحصول من أصناف تمور متعددة، يتم إنتاجها في أوقات متفاوتة وليس كلها في الوقت نفسه. وهنا نتساءل عن سبب عدم وجود أصناف من الأعلاف لدينا، تتحمل الجفاف والملوحة، أو أصناف سريعة التكيف مع الظروف المناخية السائدة والمتغيرة؟ حيث إننا نعمل على هذا الأمر، لتطوير القطاع الزراعي، فهو قطاع مهم جداً، ولا يقاس بمقدار ما يساهم به في الدخل القومي كمقياس اقتصادي محض، بل لابد من النظر إليه من نواح اجتماعية وبيئية وأمنية غذائية، كما نعمل على الحث على تطبيق الممارسات الزراعية ذات التقنيات العالية، ودعم القدرات العملية للمزارعين، وتقديم كل التسهيلات التي تسهم في رفع مستويات الإنتاج الزراعي المحلي ليضاهي المعايير العالمية الغذائية. موروثنا لدعم المزارعين والصيادين قال الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي إن مبادرة موروثنا تقوم على توفير نسبة خصم معينة على المواد الزراعية للمزارعين، أو مراكب الصيادين، أو ما يلزمهم من مولدات، أو ماكينات، أو معدات من قبل الشركات المتعاملة بهذه المواد، بهدف مساعدة المزارعين والصيادين، وبالتالي استدامة الإنتاج المحلي واستمرار المزارع، أو الصياد، أو مربي الثروة الحيوانية في مهنته. وأضاف أن هذه المبادرة، تخدم الشركات الداعمة مثلما تخدم المزارعين والصيادين ومربي الثروة الحيوانية، فهي منفعة متبادلة بين الشركات الداعمة والمدعومين، وستوزع البطاقة على من هم مسجلون في الوزارة، كما سوف يتم توقيع اتفاقيات مع الشركات الداعمة لتحديد نسبة هذا الدعم. تنظيم أنشطة القطاع الزراعي أوضح وزير التغير المناخي والبيئة، أن السياسات والتشريعات الصادرة عن الوزارة، تسهم في تعزيز الأمن الغذائي في الدولة، مشيراً إلى أن من أهم التشريعات التي تهدف إلى تنظيم عمل القطاع الزراعي والأنشطة المرتبطة به، وبالتالي تعزيز الأمن الغذائي، القانون الاتحادي رقم (5) لسنة 1979 في شأن الحجر الزراعي، والتشريعات الخاصة بتنظيم إنشاء المشاتل، وتنظيم إنتاج واستيراد وتداول الشتلات، وإنتاج واستيراد وتداول الأسمدة والمصلحات الزراعية، ومبيدات الآفات الزراعية، وإنتاج واستيراد وتداول البذور والتقاوي، وحماية البيئة وتنميتها. وأضاف أن قانون الموارد الوراثيـة النباتية للأغذية والزراعة، يهدف إلى صون الموارد النباتية، والمدخلات والمنتجات العضوية، كذلك يتم إصدار القرارات الخاصة بحظر ورفع الحظر عن المنتجات الزراعية، التي ثبت فيها ظهور آفات تضر بالثروة الزراعية الوطنية، كما هو الحال في حظر دخول فسائل النخيل من الدول التي ظهرت فيها الإصابة بحشرة سوسة النخيل، وتتم متابعة حالة انتشار الآفات والأمراض الزراعية في البلدان المصدرة.
مشاركة :