يا عيني.. آه يا عين

  • 10/12/2016
  • 00:00
  • 42
  • 0
  • 0
news-picture

تقوم الصباح وتفرك عينيك وإذا ضباب ودخان يملأ عينك اليمنى.. تتأكد، تعرك، تفرك، تحضر نظارتك التي لا زمتك وأنت طفل في الصفوف الابتدائية الأولى وهي الأكثر ملازمة لك وأنفع إطلاقا لأنها تضيء لك الدنيا. ولدت بعينين غير جبارتين كسوبرمان، أخذت جينات عيني أمي، فعينا أمي واسعتان رقراقتان، ولكنهما تشكوان أيضا علة مزمنة من صباها الباكر تجعل العينين الوادعتين تدمعان دوما، صعب أن أعرف إن كانت أم نجيب تبكي أم تضحك أو لا تفعل شيئا، في كل الحالات الدمع جاهز للتدفق بغزارة. كما لم أعلم أني أعاني حولا خفيا (سبحان الله حتى العين تحمل أجندةً خفية) وبما أنه خفي اتفقنا، الطبيبُ وأنا، أنه حوَر.. وكدت اطلب من الطبيب شهادة بأن «بطرفي عيني حوَرٌ»، لولا أن حيائي المزمن غطى عيني الجميلتين. فجأة صرت محسوبا على من يرى بعين واحدة - مع انه عارض مؤقت وسيزول بحول الله- ووجدته أمرا صعبا جدا في وزن الرؤية ودقة التصويب حتى في الضغط على حروف لوحة المفاتيح، فعيناي ميزان بكفةٍ واحدة، لذا أخذ مني هذا المقال وقتا ممطوطا من تكرار تصحيح الكلمات. إنها معاناة غريبة الوصف تختل بها قوانين الرؤية التي حكى عنها ابن الهيثم، فبينما هذه الكرة الجوهرة والتي كتلتها سبعة جرامات ونصف، ونرى نصف الكرة الأمامي تمام التمام، يعتمل وهنا واسترخاء واضطرابا في النصف الخفي، وهنا الحكمة الكبرى بأن الظاهر لا يدل دوما على الهيئة العامة إجمالا، بل يكون مخادعا في أحيان. أول تشخيص قيل لي أن بعينك هذه اليمنى مجرد جفاف شديد، ووصِفت لي قطراتٌ تخفف الجفاف على أن أبقي عيني اليمنى مغلقة، وكرهت أن أضع عليها غطاء القراصنة الأُحدي، فصرت أمشي بإغلاق عين واحدة، وانظروا كيف لما يقابلني زوجان وينظر لي الرجلُ شزرًا وكأني أمارس الغمز - اسم الله عليّ - كما تتحسن الرؤية بعيني فدفعت ضريبة بلا مقابل. وهنا مشكلة تعاني منها الشعوب التي لا تنهض فتكون تطلعاتها سطحية غير جادة وتخلو من صدق العقل العلمي فتقع في منزلق الأخطاء، بدون أي مردود، حتى أنها أخطاء لا يستفاد منها لأن أصل المحاولة مسرحي. لا أرى في الجهة اليمنى فعندما ينطلق صوت أو يلمس كتفي أحد يعتقد طبيعيا أني أراه، أقفز مرتاعا وكأن جرسا انطلق منذرا بالهرب روعا. إن الرؤية من جهة واحدة من غير اعتبار للجهة الأخرى هي السبب وراء الاختلافات في كل شيء من المذاهب والعقائد إلى الاقتصاد والسياسة، وبين فردين يتجادلان حتى العراك. أقرأ الآن كتابا جديدا ممتعا شديد الإمتاع لفرانك برايدي، مميلا رأسي لليمين كي استقبل الأشعة المنطلقة من الكتاب بالعين الصحيحة، يتكلم عن فنون الرؤية بعين واحدة.. وأرجو أن يعود النظر المهاجر لمكانه لعيني اليمنى قبل إنهاء الكتاب. ... آمين..

مشاركة :