لم تتطور المرأة داخل الفيلم من وضع سلبي إلى وضع إيجابي، من امرأة خاضعة منقادة إلى أخرى تمسك بزمام أمورها، من مهمشة وضعيفة إلى قوية وفاعلة، لم تتحرك قيد أنملة نحو الأفضل.العرب لمياء المقدم [نُشر في 2018/02/01، العدد: 10887، ص(21)] شاهدت خلال رحلتي الأخيرة من أمستردام إلى القاهرة فيلما عربيا حديثا ينتصر للمرأة شعاره “المرأة كالمظلة لن تنفعك إلا إذا وضعتها فوق رأسك”. وفكرة الفيلم تدور حول شاب يموت كل الرجال في عائلته في نزهة بحرية ليصبح الذكر الوحيد المسؤول عن مجموعة نساء بينهن أمه وأخته وجدته وخالته ونساء أخريات. كان واضحا منذ البدء أن الفيلم من النوع الهزلي التجاري، لكن ضجيج الأطفال من حولي في الطائرة وأيضا ثيمة الانتصار للمرأة جعلاني أكمل المشاهدة حتى النهاية. يبدأ الفيلم بشاب يكره النساء ويمقت حديثهن الكثير وطلباتهن التي لا تنتهي وتوصياتهن المكررة وإلحاحهن وضجيجهن وانتهازيتهن وطريقة قيادتهن السيارة، وطريقة نومهن، وعنادهن، إلى آخر قائمة الكليشيهات والأفكار المسبقة التي تناط عادة بالنساء، ثم يتحول تدريجيا إلى نصير لهن، متفهما لمشاكلهن ومستوعبا لآلامهن، بعد أن يصبح الرجل الوحيد في البيت المكلف بإدارة شؤونه وشؤون من يعشن به من النساء. فوجئت من التصور الخاطئ وحجم المغالطات التي ضمها الفيلم عن المرأة، رغم ادعائه أنه ينتصر لها وأنه صنع خصيصا من أجل “رفعها فوق الرؤوس″، فيما بدا أنه يشبه عملية دس السم في العسل، فهو انتصار القوي للضعيف وانتصار لا يضع المرأة في مكان أفضل، بقدر ما يكرس المفاهيم المغلوطة عنها. لم تتطور المرأة داخل الفيلم من وضع سلبي إلى وضع إيجابي، من امرأة خاضعة منقادة إلى أخرى تمسك بزمام أمورها، من مهمشة وضعيفة إلى قوية وفاعلة، لم تتحرك قيد أنملة نحو الأفضل. الذي تحرك وتطور هو نظرة الرجل إليها، وتعامله معها، وهو تطور مبني على فكرة ضرورة استيعاب أخطاء المرأة ومشاكلها وطريقة تفكيرها. في الفيلم الذي يرفع شعار “المرأة كالمظلة لن تنفعك إلا إذا وضعتها فوق رأسك” امرأة تخلت عن حلمها ومجدها في الغناء والتمثيل من أجل رجل، وأخرى قبلت أن تعيش حياتها كلها وحيدة لتربية ابنها، وثالثة تزوج زوجها عليها في السر، ورابعة تزوجت عرفيا لتعول طفلتها، وهي كلها أشكال وأنماط لنساء مقهورات مغلوبات على أمرهن، يروج الفيلم لضرورة معاملتهن بتعاطف وشفقة، أكثر من فكرة الانتصار لهن ولضرورة تغيير واقعهن. من ذلك مثلا أن البطل يكرر باستمرار فخره بالأم التي رفضت الزواج رغم جمالها وصغر سنها من أجل التفرغ لرعايته، وهي تضحية يشجعها البطل ومن ورائه مجتمع بأكمله، في نوع من العقوبة الجماعية المسلطة على الأمهات الوحيدات. النموذج الأكثر إساءة للمرأة في الفيلم هو الأخت الشابة التي أساءت فهم تحرر المرأة وحق تقرير مصيرها، فتترك زوجها لأنه طالبها بأخذ إجازة يومين في الأسبوع بدل يوم واحد، وهو ما تفعله بينها وبين نفسها، لكنها ترفض الاستجابة لزوجها بشأنه في ما يشبه العناد المجاني. تفهمت أن يكون في الفيلم كليشيهات ومواقف وانطباعات مكررة عن المرأة بسبب طابعه الفكاهي، لكن أن يدعي رغم كل هذا التكريس الفادح للنظرة التقليدية للمرأة ورغم تصويرها في حالة الخانعة المستكينة الضعيفة أو التي تسيء فهم التحرر، أنه ينصر المرأة ويضعها “فوق الرؤوس″ فهذا ما لا طاقة لي به. كاتبة تونسيةلمياء المقدم
مشاركة :