لا تشجعوا الأبناء على رد العنف بالعنف بقلم: لمياء المقدم

  • 6/8/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بدل أن نشجع الأبناء على رد العنف بالعنف من الأفضل أن نحصنهم ضد الوقوع ضحايا له، لأن قوة الشخصية ليست في السلوك البدني العنيف بل في المكونات الداخلية للشخصية التي تعكسها للآخرين.العرب لمياء المقدم [نُشر في 2017/06/08، العدد: 10657، ص(21)] يكره الآباء أن يروا أبناءهم مهزومين ومضطهدين من قبل أقرانهم وأصدقائهم، لذلك تراهم يغضبون إذا دخل أحد الأبناء شاكيا باكيا متذمرا، آمرين إياه بالعودة والدفاع عن نفسه والتحلي بالصلابة ورد الكيل كيلين. في صغري رأيت أمي تعلم أخي الذي يكبرني بأربع سنوات كيف يقبض على أحد أقاربنا من وسطه ويوقعه أرضا وينبطح فوقه، كان ذلك ردا على استفزازات قريبنا المستمرة، ولاحقا رأيت أمهات كثيرات يبتهجن لرؤية أبنائهن غالبين لأقرانهم، مسيطرين مهابين، لا يقبلون أن يُعتدى عليهم، فإذا حصل وتعرضوا إلى اعتداء ردوه بأفظع منه. نريد أن يكون أبناؤنا مسيطرين وأقوياء. نريدهم متماسكين بشخصيات قوية قادرة على رد الأذى، ونفضلهم ظالمين لا مظلومين. لكن علم التربية الحديث يقول إن هذا الذي اعتدنا أن نعتبره صوابا وقوة وتماسكا، ليس كذلك على الإطلاق، ويؤكد على أن رد العنف بالعنف لا يجعل الأبناء أقوى أو أكثر شجاعة أو ثقة بالنفس، بل بالعكس يخلق شخصية مرتبكة، متحفزة، متوقعة للأذى، مغالية في ردود أفعالها. الفكرة الأساسية التي يجب أن يوصلها الآباء إلى أبنائهم عندما يتعرضون إلى العنف من قبل أقرانهم، هي أن العنف منبوذ وغير مقبول في جميع الحالات والمواقف، بما في ذلك حالة الدفاع عن النفس، وأن ما يدفع أقرانهم إلى التصرف بعنف ضدهم، خلل في التربية أو مشاكل نفسية أو عائلية أو أي مسببات أخرى، لأن العنف رد فعل تراكمي وليس سلوكا متأصلا في البشر. وبدل أن نشجع الأبناء على رد العنف بالعنف من الأفضل أن نحصنهم ضد الوقوع ضحايا له، لأن قوة الشخصية ليست في السلوك البدني العنيف بل في المكونات الداخلية للشخصية التي تعكسها للآخرين، فإذا تحلى الطفل بشخصية متوازنة متعقلة، متماسكة وواثقة سيكون من الصعب على الآخرين الاعتداء على هذه الشخصية التي لا ترسل أي إشارات تجيز الاعتداء أو تبيحه أو تحرض عليه. قبل ذلك، لا بد من تعليم أبنائنا أن الاعتداء عليهم لا يمس منهم أو ينقص من قيمتهم أو كرامتهم، ولا يجب أن يشعروا بالذنب أو العار لأنهم تعرضوا لاعتداء، بل بالعكس يجب أن يشعروا بالشفقة على المعتدي ويتعاملوا معه على أنه الطرف الأضعف الذي يحتاج إلى مساعدة. تبدو الأمور نظريا سهلة، لكن أستطيع أن أتخيل أبا أو أما يعود له أو لها ابنها يوميا معنفا، سيكون من الصعب جدا على هذه الأم أو الأب التعاطي مع فكرة التعالي على العنف وتصغيره وتهميشه، خصوصا إذا لم تأت كل الوسائل السابقة بنتيجة واستمر الطفل في التعرض للأذى بشكل يومي. من المهم جدا في هذه الحالة تدخل الكبار في حديث يشرك ولي الطفل المعنف وولي الطفل المعنَف والمدرسة. حل مشكل العنف بين الأطفال ليس بأيدي الأطفال، وإنما بأيدي الكبار، فلا تطلبوا من أبنائكم أن يقتصوا لأنفسهم، لا ترددوا على مسامعهم “اذهب وخذ حقك بيدك”، أو “لماذا تبكي كالبنات؟ اذهب واضرب الذي ضربك” وغيرها من الجمل والعبارات الهدامة التي تشعر الأبناء بالمهانة والضعف، وتدخلهم في دائرة من العنف والقصاص المقرونين بالخوف وتوقع الأسوأ، وهي دائرة نفسية ضاغطة على أعصابهم ومستنزفة لقواهم. فإذا قلبت الآية وتصرف الآباء مع ابنهم المعنف على أنه قوي وشجاع وذكي لأنه لم يرد العنف بالعنف تكون النتائج أفضل بكثير سواء على مستوى نفسية الطفل كفرد أو مستقبل سلوك الجماعة ككل. الطفل المعنف يشجع، ببساطة شديدة، على الانسحاب الفوري والذهاب إلى أقرب ولي أمر للشكوى له من سلوك زميله، ليس لأنه مهزوم أو خائف، وليس لأنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ولكن لأنه سوي وقوي وينبذ العنف. كاتبة تونسية مقيمة بهولندالمياء المقدم

مشاركة :