هل أعطت الذاكرة البصرية للفنان الإسباني الشهير"بابلو بيكاسو"تفردا وتميّزا فنيا؟ يتساءل مقال تحليلي في صحيفة "الجارديان" البريطانية. يقول كاتب المقال كريستين تامبل: إن الدراسات أظهرت أن قدرة الأطفال على الرسم مُرتبطة بذاكرتهم البصرية، فهؤلاء المُتمكنون من أحدهما من المُحتمل أن يكون مُتمكناً من الأخرى. ويضيف "عُرف بيكاسو بأن قوة ذاكرته كانت مهمة جدا في تنمية موهبته، فكانت كما قال أكثر مُساعد للفنان. وبالرغم من أن كُتّاب سيرته الذاتية قد يختلفون في تقييمهم لسلوكيات بيكاسو إلا أنهم لا يختلفون في وصف ذاكرته البصرية بـ"كونها استثنائية". دور العيون وصف الطريقة العميقة التي ينظر بها "بيكاسو" للأشياء تُشير إلى جانب آخر من سلوكه المُرتبط بالذاكرة، حيث علّق العديد من كُتّاب سيرته على نظراته المتأملة، بالقول: إن بيكاسو يمتلك عينين رائعتين، استخدمهما بشكل فعّال في رؤية العالم. في كتابها عن بيكاسو علّقت جيرترود شتاين على أنه "كان غامضاً وحيّاً بعينين كبيرتين...". لا شك أن هناك فنانين آخرين تميزوا بالنظرة المتأملة والمركزة جدا مما انعكس على أعمالهم، فمثلا تميّزت أعمال "لوسيان فرويد" الأولى نتيجةً للمُلاحظة القصوى عن طريق التحديق في الشيء. نظرة واحدة فقط تميّز "بيكاسو" كذلك بقدرة مُدهشة على تذكر الأشياء بعد نظرة واحدة فقط، كانت ذاكرته تتطوّر عن طريق رؤية صورة واحدة عدّة مرات. "فرانسواز جيلوت"، صديقة بيكاسو وحبيبته وشريكته من 1944 إلى 1953، وصفت كيف كان يذهب مراراً وتكرارا إلى متحف اللوفر ويُحدّق فيها لفترات طويلة وذلك عندما كان يستعد لرسم لوحة معينة. وبعدها بفترة يبدأ بالرسم حسب فهمه ورؤيته الفنية الخاصة. كان لبيكاسو عينان رائعتان تسحران النساء. وأنتج 58 لوحة مبنية على لوحة الفنان فيلاثكيث التي رسمها عام 1656 تحت اسم "الوصيفات". كما تتذكر فرانسواز كيف كان بيكاسو يتبّع منهجية مُشابهة قبل أن يرسمها. فقد كان يُطيل النظر إليها لفترات طويلة ولكن يبدأ بالرسم عندما لا تكون موجودة. يحفظ "بيكاسو" الصورة عن ظهر قلب. وعندما تحفظ شيئاً عن ظهر قلب فإنك لا تكتفي بمُجرّد النظر إليه، بل تُفكر به وتُحاول أن تتعلم منه أو أن تتذكره. تقوم بالنظر إليه (أو الاستماع إليه) مرة ومرتين وثلاث حتى يُصبح مألوفاً لديك بشكل كامل. التعلم الزائد يُمّكن الذاكرة من العمل بشكل أفضل وبمزيد من التفاصيل. الاحتفاظ بالتفاصيل اتبّع بيكاسو منهجية مُشابهة لرسم لوحته الشهيرة لصديقته "جيرترود شتاين"، فقد جلست أمامه حوالي 90 جلسة ـ من الخريف 1905 وحتى الصيف 1906 – وخلال هذه الفترة كان لبيكاسو فُرصة كافية كي يحفظ شكلها. وهذا الأمر مكّنه من رسم لوحة نهائية لها من ذاكرته بعد عودته من رحلة الصيف في 1906. استخدم بيكاسو ذاكرته كي تُذكره بالتفاصيل. وهذا اشتمل على البطاقات البريدية والمطبوعات والصور. في منزله جنوب فرنسا اعتاد على عرض الصور التي كان يدرسها على جُدران الأستوديو الخاص به. لم يكن "بيكاسو"يستخدم ذاكرته البصرية والحسية لكي يرسم لوحاته لما كان يراها. فقد غيّرها إلى شيء جديد بحيث يجمع ما بين الأصول وأفكار وتأثيرات أخرى. وعندما نلقي نظرة على أعماله المُقتبسة من اللوحات القديمة المعروفة، نرى بوضوح كيف حافظ على الشخصيات كما هي موجودة في الأصل وفي نفس الوقت غيّر تركيزهم وأحجامهم . لقد كان الجانب الحيوي لذكرياته جامعاً ما بين مُختلف الصور في رسم شيء أصلي والذي تميّز به بيكاسو.
مشاركة :