الثابت والمتغير في العلاقات الأمريكية - الروسية

  • 10/15/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

د. عمر عبدالعزيز لتحديد المعادلة المركزية في العلاقات الأمريكية - الروسية، لا بد من العودة إلى الوراء، لرصد ما كان ثابتاً في تلك العلاقة، وما كان محكوماً بالمتغيرات الجيوسياسية على مدى أكثر من قرن، وصولاً إلى ما نشهده اليوم من احتدام متصاعد. ولعل البداية المناسبة لهذا الرصد يترافق مع عهود الإمبراطوريات الأوروبية الكبرى، كالإمبراطوريات الروسية القيصرية، والألمانية، والبريطانية، والنمساوية المجرية. حينها كانت الولايات المتحدة على وئام مع تلك الإمبراطوريات، مع احتفاظها بعلاقة خاصة مع الإمبراطورية البريطانية، بحكم وشائج الصلات الإثنية التاريخية والدينية البروتستانتية، فيما كانت روسيا القيصرية لما قبل الحرب العالمية الأولى، على مسافة حميدة في صلتها بالولايات المتحدة، حيث إن أمريكا لم تنس قط، فضل روسيا عليها، حينما باعها القيصر منطقة ألاسكا بكاملها التي تتمدد في الشمال الغربي للولايات المتحدة بمساحة توازي ربع المساحة الكاملة للولايات المتحدة الراهنة، وظلت ألاسكا الأمريكية نقطة التماس الحدودي في أقصى غرب العالم بين روسيا القيصرية، ثم الاتحاد السوفييتي، وحتى الاتحاد الروسي المعاصر. أثناء الحرب العالمية الثانية، تموضع الاتحاد السوفييتي في المربع التحالفي ذاته مع الحلفاء المنتصرين في تلك الحرب، وحالما وضعت الحرب أوزارها تفارق حلفاء الحرب ضد الهتلرية إلى معسكرين متواجهين في طول العالم وعرضه. غير أن تلك المواجهة التي امتدت طوال سنوات الحرب الباردة، لم تصل إلى حد التصادم بين المعسكرين، ولعل الذاكرتين السياسيتين الأمريكية والسوفييتية تستوعبان المسافات الفاصلة بين نفوذ الغرب والشرق، وتدركان العواقب الوخيمة للتصادم بين القوتين العابرتين للقارات. كان رهان الطرفين، ومن يتحالف معهما، على النموذج الخاص، وتدوير الصراع على قاعدة التمدد بالنموذج الخاص لكل طرف، حتى جاءت لحظة حاسمة، بل فرصة سانحة للخروج من نفق الصراع المكبوت إلى التعاون الشامل، باعتبار أن البشرية كلها تركب المركب المعقد ذاته، الذي عليه أن يبحر وسط الأمواج العاتية لتقاليد الاستقطاب والأسلحة الفتاكة، وصولاً إلى تحويل سباق التسلح المرعب إلى سباق من أجل التطور. لكن سدنة العقيدة العسكرية المعتدين بمنطق الظفر والنصر، لم يستوعبوا تلك الرسالة عميقة المغزى، فتحولت المناسبة العالمية الكبرى للتصالح إلى عهد لسياسات كسر العظم، وكانت البداية في الداخل الروسي.. ثم في الأفلاك الخارجة من رحم الاتحاد السوفييتي، بداية من مشكلتي جورجيا وأوكرانيا، حيث تم إيقاظ الدب الروسي من سباته، فيما أكملت صواريخ الدمار المنشورة عملياً في رومانيا وبولندا، والموجهة حصراً لروسيا الاتحادية، إيقاظ التنين، وخروجه من قمقم التؤدة والصبر، ليبدأ تصاعداً عسكرياً موازياً في روسيا بوتين، ولتصل العلاقات الأمريكية الروسية إلى لحظة الغموض المزدوج المقرون بإدارة الحروب بالوكالة، وحتى بطريقة مباشرة في بعض الحالات، كما كان الحال في أفغانستان طالبان، وعراق صدام، وكما يحدث الآن في سوريا الأسد. تصل العلاقات الروسية - الأمريكية اليوم إلى اأسوأ نقطة محتملة، ويتوازى مع هذه التراجيديا الواعدة بالدمار الشامل، سباق محموم على درب المغالبة والتخلي الحر عن حكمة الماضي القريب والبعيد، حتى إن المرحلتين القيصرية والسوفييتية الروسية تصبحان نموذجاً متقدماً في الإدارة بالحكمة، وبالمقابل تصبح عهود الرؤساء الأمريكان، مثل روزفلت وكيندي، وجونسون، ونيكسون، وكارتر، مثالاً إيجابياً في التفاهمات البينية والاحترام المتبادل على قاعدة استيعاب الضرورات ومقتضياتها. omaraziz105@gmail.com

مشاركة :