الثابت والمتغير في العلاقات السعودية الأمريكية

  • 11/13/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

من طبيعة العلاقات بين الدول أنها متغيرة، بتغير طبيعة المصالح ومدى تكاملها أو تنافسها. فالقول بأنه لا صداقة دائمة ولا عداء دائم بين الدول لا يمكن أن يؤخذ على إطلاقه؛ لأن الصداقة أو العداء في النهاية تحكمهما نسبية تغير المصالح المشتركة. فلا شيء دائما في العلاقات بين الدول، بما فيها المصالح نفسها. لكن استراتيجية العلاقة نفسها هي التي تحكم العلاقة بين الدول، وهذه الاستراتيجية لا تحكمها متغيرات مادية، فحسب ولكن تتخللها قيم مشتركة.. ونظرة متجانسة.. ورؤية متوافقة لكيفية خدمة مصالح مشتركة في فترة تاريخية معينة. فمن هنا فإنه من غير الصحيح ومن غير الواقعي الحكم على علاقة دولتين صديقتين تربطهما علاقات استراتيجية وثيقة، بما قد يطرأ على العلاقة الثنائية بينهما من اختلاف حول قضايا إقليمية أو تحولات دولية. أي محاولة لتقييم العلاقة في مثل فترات الجزر المتقطعة، مهما طال أمدها، لا يمكن أن يعطي صورة حقيقية عن الطبيعة الحقيقية لهذه العلاقات، مثل فترة الفتور التي اعترت العلاقات بين الرياض وواشنطن مؤخرا. فعلاقات واشنطن بالرياض هي علاقات استراتيجية في الأساس، بل هي تسبق المصالح الاقتصادية، التي تصادفت مع ظهور النفط بكميات تجارية على الشاطئ الغربي من الخليج العربي بعد أن فشل الإنجليز في ذلك. الملك عبدالعزيز قد يكون هو الشخصية العالمية الوحيدة الذي تراءت له حركة التاريخ وهي تنطوي أمامه ليتوقع هذا التحول الذي حدث عقب الحرب الكونية الثانية ببزوغ نجم الولايات المتحدة على مسرح السياسة الدولية. لكن في الوقت الذي فطن فيه روزفلت لإمكانات الملك عبدالعزيز الفذة وإمكانات المملكة العربية الاقتصادية والاستراتيجية الكبيرة، نرى خليفته ترومان سرعان ما يتنكر لتفاهمات المملكة وأمريكا في لقاء البحيرات المرة (فبراير 1945)، ونرى ترومان يماطل في إقامة علاقات دبلوماسية مع المملكة حتى نهاية الأربعينيات! وقد لا تكون مصادفة أن ترومان ماطل في إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الرياض، بعد قيام إسرائيل الذي ساهم هو شخصيا في ذلك! لكن، بالرغم من ذلك، كانت رؤية الملك عبدالعزيز الصائبة في استراتيجية العلاقة بين الرياض وواشنطن، هي المتحكم بدفة علاقات البلدين. فطول فترة الحرب الباردة كان موقف البلدين واحدا، من حيث ضرورة وقف التمدد الشيوعي شرقا، دون أن يخل ذلك بمواقف المملكة العروبية الكبرى في ما يخص قضية ملء الفراغ التي ابتدعها الرئيس أيزنهاور تحسبا لجلاء الإنجليز من منطقة شرق السويس، فكانت المملكة بخطها العروبي وراء إسقاط مشروع حلف بغداد. وبالرغم من وقوف الولايات المتحدة وراء أطماع إسرائيل التوسعية، إلا أنها كانت تعرف حدود دعمها لإسرائيل، بحيث لا تتجاوز حساسية العالم العربي تجاه قضية الحدود. واشنطن ــ على سبيل المثال ــ لم تعترف باستيلاء إسرائيل على الأراضي العربية عقب حرب الأيام الستة سنة 1967، ولم تعترف بضم القدس ولا ضم الجولان. هذا كله جرى رغم أنف اللوبي الصهيوني في واشنطن. موقف مبدئي لحكومات أمريكية متعاقبة لا يمكن تصوره، لولا وجود الرياض في قلب الحدث العربي لردع أطماع إسرائيل التوسعية في واشنطن. تكرر الأمر نفسه في بداية سبعينيات القرن الماضي عندما جلت بريطانيا عن محمياتها على الجانب الغربي من الخليج العربي، عندما عبر شاه إيران عن أطماعه التوسعية في البحرين. لولا الموقف العربي بقيادة المملكة ومصر، وفي الخلفية كان الدعم الأمريكي، لخسر العرب جزءا من تراب الخليج. ولو عرفنا وقتها أن علاقات القاهرة بواشنطن كانت عدائية، من كان وراء دعم واشنطن لعروبة الخليج غير الرياض. تلك أمثلة لمحطات الثابت في العلاقة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن التي يجب ألا تغيب عن الأذهان عند أي تقييم واقعي وحقيقي للعلاقة بين المملكة والولايات المتحدة.

مشاركة :