هناك فنون أدبية تأتي إلينا على استحياء ودون ضجيج إعلامي ودون اهتمام من قبل المؤسسات الثقافية إلا ما ندر، وفي مقدمة هذه الفنون: الكتابة للأطفال شعراً ونثراً وهذه الكتابة تأتي – للأسف الشديد – في نهاية قائمة الفنون الأدبية وأغلب من يمارس هذا الفن لا تسلط عليه الأضواء ولا تعرفه المؤسسات الثقافية فتجده يمارس فنا آخر من قصة أو شعر أو رواية أو نقد، إلى جانب جهده الكتابي للأطفال لإيمانه بأن أدب الطفل لا يستطيع من خلال البروز أو الحضور ناهيك أن يتبنى هذا الإبداع الموجه للأطفال بالنشر إلا في مساحات ضيقة دون أن يحتفى به. ولعل الكثيرين يعلمون أن الكتابة للأطفال من أشق الكتابات الأدبية فالكاتب أو الشاعر يخاطب مرحلة عمرية صغيرة تحتاج إلى لغة غير لغته التي يوجهها للكبار وأفكاراً يطرحها تتناسب مع أحلامهم غير التي يسوقها للكبار وصوراً أكثر وضوحاً ومخيلة خصبة تتوافق مع سنوات الطفولة. هنا وفي هذا الاستطلاع نرى جملة من شهادات كتاب أدب الأطفال والمشتغلين بهذا الفن في مشهدنا الثقافي ونلمس من خلالها معاناتهم مع هذا الفن الذي لا يلتفت له النقاد ولا الإعلام وربما حتى الجوائز الأدبية فهو فن يعاني من العقوق رغم اهتمام شريحة من المعنيين الذين يرون الكتابة فيه نوعاً من العشق وضرباً من الوفاء لأطفالنا الصغار. في مطلع هذه الآراء يحدثنا الروائي والكاتب الصحفي الأستاذ عبدالحفيظ الشمري عن أهمية هذا المشروع الأدبي للطفل إذ يقول: الكتابة للطفل مشروع أدبي رصين، ورؤية فنية متزنة، تحتاج إلى أسلوب متميز، وقلم أدبي جاد ومتمرس يفي بأغراض السرد، ليوصل الحقيقة إلى ذهن الطفل بكل يسر وسهولة. فمشروع الكتابة للطفل في عالمنا العربي يعاني شأنه بذلك شأن الفنون الأخرى، إلا أن محاولات الأدباء والكتاب والمبدعين أبت إلا أن تسهم في تقديم ما تستطيع من كتابات في ظل انعدام الرؤية الفنية وغياب المشروع الوطني الذي يرعى إبداع الطفل وثقافته وأدبه، إلا أنني أجزم بأن هذه المحاولات قد توقفت من قبل الكتاب الجادين. فما يراه القارئ، أو يطلع عليه بين فينة وأخرى من كتابات للطفل هي محض اجتهاد، وسعي إلى خدمة هذه الفئة إلا أن هذه التجارب والمساهمات كثيرا ما تعترضها بعض المعوقات على نحو قلة الدعم للكاتب، أو بالأحرى انعدامه كلياً، ليظهر للأسف ومن خلال هذا الموقف مشروع الكتابة التجارية التي أغرقت المشهد أو السوق بنماذج مكررة، وأفكار مبتسرة، بل وبأسماء وهمية تكتب للطفل.. نعم أسماء وهمية فعلا، لا وجود لها.. أي أن تاجر الكتب والكتيبات يأتي بأشخاص نكرات لا علاقة لهم بالمشهد الثقافي والأدبي ليفيضوا بما لديهم من حشو زائد وحكايات مستنسخة ومن لم يصدق فليقلب في كتيبات قصص الأطفال فسيجد أن هذه الأسماء لا وجود لها، بل حتى من يرسم صورها لا ناقة له ولا جمل في مشروع الكتابة للطفل. فتوقف الكاتب والأديب والروائي والقاص الجاد عن مشروع الكتابة للطفل سببه هذا التهافت الشكلي للكتابة للطفل، بل الهزال والضعف من خلال الشكل والمضمون؛ حتى أنك تطالع أن المسألة خاضعة لطلب السوق، دون تمحيص أو تطوير لهذا المشروع. أما الكاتبة والشاعرة اعتدال الذكر الله فقد توجت تجربتها باختيار بعض نصوصها الشعرية لتكون ضمن مناهج التعليم الأولي في المملكة وتدعم رؤيتها قائلة: قد يرى البعض من مُرتادِي القراءة والبحث والتأليف ومتتبعي النتاجات الأدبية العربية وجمهور التعاطي مع مخرجات العقل البشري المعقول أن الكتابة للأطفال من أبسط أنماط النتاجات الفكرية الابداعية للأدباء والكُتَّاب العرب. وأن الوصول للصغار عبر الكلمات المعتادة لأمرٌ سهلٌ مقدورٌ عليه بما أن النتاج موجَّه للطفل الصغير!! إلاَّ أن ذلك لهو الأدب الفكري الصعب المستصعب في أغلب الأحوال الكتابية وأكثرها تعقيدا وعمقا ... فأنتَ حينما تخاطب الطفل الصغير ضع في مشروعك الكتابي أنك تتحدث مع عقل الغد الواعد المنتقى ولابد أن تعي جيدا وتدرك يقينا أن لغتك وأسلوبك وسلوكيات الكتابة الفنية بكافة معطياتها ستساهم في تشكيل واقع الطفل الصغير وأنها ستسبب في خلق فضاء العقل الصغير وتركيبات فكره من حيث العبارات العقائدية والدينية والفنية والترفيهية والتعليمية حسب هدفية كتاباتك وغاياتك المبتغاة من تلك العملية الكتابية ... ففي تجربتي الأدبية الصغرى في تأليف ديواني الشعري الثالث أغاريد البلابل الصادر عن دار الكفاح عام ١٤٢٧ هـ وهو عبارة عن مجموعة أهازيج واراجيز نظمتها على بحور الشعر المقتضبة والسهلة السريعة والتي تتضمن مواضيع متباينة الأطياف من توحيد الإله والإيمان بنبيِّه والحث على التمسُّك بفروض الدِّين والتغني بالطبيعة وحب الوطن والعلم وبر الوالدين وغيرها من المواضيع كنتُ حريصة جدا، فيها على أن أصل لقلب وعقل وروح ونفس الطفل الصغير عبر اللغة الأدبية الفنية البسيطة نطقا والعميقة معنىً والمكثفة مجازا لتتناسب وخيالات الفكر الصغير ومؤكدة فيها على بث ثقافة التدين والارتباط بموجد الدين عبر مفاهيم الفكر الإسلامي الحديث من خلال دمج القلب والعقل والروح البريئة مع مظاهر الوجود المطلق لتصب بالأخير في استشعار حالة الذوبان الوجودي البائنة المستبانة في سلوك وإيمان الطفل ومفاهيم تغذيته عبر اللغة والأسلوب والفن والتراكيب الجمالية من تناغم موسيقى الشعر من أوزان وبحور سهلة خفيفة راقصة وقوافٍ محببة لتتغني والانشاد وصور مجازية ظريفة تتناسب وبيئة الطفل وفضاءات وجوده الأنقى.. فكانت تجربة مثيرة مفيدة في حد ذاتها على مستوى تجارب أدب الطفولة في المملكة حيث من أغاريد البلابل تم اختيار نصين تعليميين في الوطن والعلم من وزارة التربية والتعليم لتقرهما في منهج التربية الأسرية للصف الثالث الابتدائي وتكون النصوص الشعرية الأولى لشاعرة سعودية في تاريخ المملكة.. وترددها طالبات مدارس المملكة في مدنها وهجرها وقراها في فصولهن الدراسية كل سنة! إضافة إلى أن عدداً من قصائد أغاريد البلابل قد تم انشادها في مشاهد تمثيلية كرتونية في قنوات أطفال عربية مغناة ساهمت في بث لغة الشعر البسيطة على ألسن صغارنا عندما حفظوها وكرروها بمصطلحات الفن الشعري العربي الأنيق ... وربما لغتي الشعرية في أغاريد البلابل كانت أقرب للنظم فيها من الشعر وكانت مقصودة لتتناسب وهدفية الإنشاء حيث أن الهدف تعليمي تربوي أكثر من أن يكون جماليا إبداعيا .. وربما وفقت في تلك التجربة التي كررتها في مسرحية شعرية مغناة بعنوان (سوسن والبستان) لا تزال قيد الطباعة. في حين يعاني الكاتب والقاص إبراهيم محمد مغفوري جحود الإعلام لدوره في هذا الفن وعدم تسليط الضوء على تجربته الطويلة مع أدب الطفل، وأضاف أيضاً: منذ الصغر وأنا أحب القصص، أبي رحمه الله ،شاعر مجيد للشعر الشعبي المحبب للنفس الذي يحوي الكثير من الحكم والأمثال واحتفالات المنطقة السعيدة وخاصة احتفالات قبيلة المغافير وكان حريصا على الاستماع لي، الأمر الذي شجعني على القراءة منذ الصغر، وأمي رحمها الله راوية مجيدة للقصص الشعرية، كقصة سيدنا يوسف بن يعقوب عليهم وعلى نبينا محمد الصلاة والسلام (وحتى الذئب من يوسف تبرأ ** ومصره ينطرد داخل وبرا ** وقالت رب هاذ ولا دهوني، وقصة أبي زيد الهلالي وعلياء وبني هلال (بو زيد زايد عن ذياب بن غانم** كما زيد ليالي الشتاء عن نهارها. وكذلك باقي القصص التي يهواها الصغار والكبار، مثل قصص الأخ الزميل حسن ولي جبريل التي كان يحفظها من الكبار ويحكيها لنا ونحن صغار نتجمع حوله في المساء، بعد اللعب فينثر لنا ما في جعبته من حكايات جميلة مازال بعضها راسخا في أذهاننا، مثل قصة شرهبان وأخوها حمدان وغيرها الكثير. ولما دخلت المدرسة استهوتني قصص القرآن الكريم فكان أبي يرحمه الله يطلب مني أن اقرأ له القرآن الكريم، وخاصة سورة يوسف ولقد حفظت الكثير منها بفضل الله تعالى، ثم نهلت من مكتبة المدرسة وكنت من أوائل من يرتادها ويقرأ كتبها وخاصة قصص الأطفال. وفي المرحلة المتوسطة تركت المدرسة والتحقت بالعمل في مستودعات التعليم، خفت أن ابتعد عن معشوقتي، ولكني بفضل الله وجدت نفسي قريبا كل القرب من الكتب أكثر مما سبق فنهلت منها بشكل أكبر،حيث عينت في مستودع التعليم في جازان آنذاك، فكنت مع الكتب كل لحظة، وخاصة كتب الأطفال،فزدت بها نهما وارتويت من معينها الصافي. كانت لي بعض المحاولات الشعرية إلا أن القصة طغت على مخيلتي فأخذتني من الشعر وكتبت أول قصة للأطفال وأنا في سن السابعة عشرة تقريبا ،كانت بعنوان (عبدالكريم والسلطان) تبنى طباعتها النادي الأدبي في جازان ثم أعدت طباعتها أنا بنفسي لوزارة التربية والتعليم وقمت بطباعة القصص التالية على حسابي: الشرطي الصغير - سندريلا المدينة - الثعلب المسافر - راعي الغنم والوالي - ثم طبع لي النادي الأدبي في جازان قصتي (حسن النية) ثم عدت وطبعت على حسابي قصة - كنز الصياد - نواف والضفدع - الطموح والإعاقة - مدينة الأحلام - حكيم العصافير - النخلة والمنحوس - قرية ميسون، وغيرها من القصص وقد بلغت أكثر من 35 كتابا مطبوعا، أكثرها أنا طبعتها على حسابي، ثم طبع لي أندية جازان والإحساء والشمالية ونجران، وطبعت أنا مشاركة مع دار النابغة بمصر اثني عشر كتاباً، يحتوي كل كتاب مجموعة من القصص، ولي قصص في بعض الأندية الأدبية ودور النشر، تنتظر الطباعة. أولادي وأهل بيتي يتحلقون حولي بالليل، أحكي لهم شيئاً مما أكتبه، كما أحكي لتلاميذي في المدرسة، حبي لقصص الأطفال جعلني أقدمها على أولادي فأطبع من مصروفهم اليومي، وما زلت مغموراً بسبب عزوف الإعلام عني مرئي ومسموع إلا من بعض الإسهامات الخجلى. ويختتم الشاعر سعد سعيد الرفاعي هذه الطروحات التي تصب في الاهتمام بأدب رجال الغد فيقول: لدي اهتمام سابق بأدب وثقافة الطفل، فقد سبق أن قدمت ورقة بحثية في نادي مكة الأدبي بعنوان (استراتيجية مقترحة لتنمية ثقافة الطفل بالمملكة العربية السعودية) وهي مطبوعة ضمن بحوث الملتقى، كما سبق وقدمت محاضرة عن الكتابة الشعرية للطفل في المؤتمر الدولي الأول لأدب وثقافة الطفل بالرياض. وأعمل حالياً على ورقة حول (مدى اهتمام الأندية الأدبية بأدب وثقافة الطفل، الواقع والمأمول) وأسال الله العون لإنجازها. وتجربتي مع أدب الطفل تجربة جميلة محببة إلى النفس ؛فقد سبق لي أن أصدرت ديوانا شعريا موجها إلى الطفل بعنوان (أناشيد عمر) وذلك عام1430هـ واتجهت به إلى إحدى دور النشر المتخصصة في كتب الأطفال التي أخرجته في ثوب قشيب مدعما بالرسوم المناسبة لموضوعات النصوص، ورغم تقديري لجهد الدار وتبنيها طباعة الديوان إلا أنني لاحظت عدم توفر الديوان في المكتبات الكبرى وان كانت قد شاركت به في بعض المعارض وآخرها معرض جدة للكتاب. وبحمد الله فقد كان تلقي الديوان من قبل بعض النقاد والمثقفين والمهتمين جيداً، ولكنني لم استشعر وصوله إلى الفئة المستهدفة بصورة مرضية. والحقيقة أن متعة التجربة الأولى شجعتني على إصدار ديوان آخر جمعت نصوصه إلا أنني لم أباشر طباعته حتى اللحظة في ظل العمل على مشاريع ثقافية أخرى، صدر بعضها وجار العمل على الآخر سائلاً الله العون والتوفيق والسداد لإنجازها وتقديم كل ما يخدم ثقافتنا بشكل عام. الذكر الله تجاربي في أدب الطفل مثيرة ومفيدة اختير منها نصان في المناهج الدراسية مغفوري:حبي لقصص الأطفال جعلني أصدر (35) عملاً أدبياً للأطفال الرفاعي:اهتمامي بأدب الطفل دفعني لإخراج مجموعة شعرية وأوراق بحثية لهذا الفن
مشاركة :