هذا موضوعٌ من المواضيع الحساسة التي يُضحي الكلام فيها أشبهَ بالمشي في حقلٍ من الألغام. لكن ملابساته تتعلق بحاضر ومستقبل سوريا، فلا مفر من فتح ملفه. ذلك أن خلطاً كبيراً يجري في محاولات تنزيل ماتُسمى بأحاديث الملاحم والفتن ونهاية الدنيا على الثورة السورية وأحداثها. وهو خلطٌ يزيد مساحات طريقةٍ في التفكير ليست في مصلحة الشعب السوري وثورته، ويظهرُ فيها ربطٌ لما ورد في الأحاديث المذكورة بوقائع الثورة وملابساتها الداخلية والخارجية بشكل فيه الكثير من التعسف أحياناً، ويبدو فيه التناقض بين الرواية والواقع، بطريقةٍ لاتنسجم ابتداءً مع المنهج الإسلامي الأصيل . لن ندخل هنا في جدالٍ يتعلق بعلوم الحديث النبوي وأهمية دراسة العلاقة بين المتن والسنَد، وكيفية تنزيل الأحاديث النبوية على واقع البشر، وأولوية فهم الأحاديث في ضوء ماورد في القرآن الكريم، وما إلى ذلك مما لا يتسع له مقالٌ صحافي يهدف كما ذكرنا إلى فتح الملف قبل أكثرَ من أي شيءٍ آخر. ثمة دلائل كثيرة على وجود المحاولات للربط بشكلٍ وثيق بين الأحاديث المذكورة وبين الثورة السورية، وهي تهدف في خضم الحماس والعاطفة إلى تأجيج المشاعر وزيادة الدعم للثورة فيما نحسب. لكنها لاتنتبه مع ذلك الحماس والتركيز على المشاعر إلى مافيها من أخطاء منهجية أولاً. والأهمُ من ذلك أنها لا تُلقي بالاً إلى حجم الفوضى الفكرية التي يمكن أن تنتج عنها، ومايترتبُ على ذلك من فوضى عملية . هناك على سبيل المثال مقطعٌ على موقع اليوتيوب يتناقله الناس، والسوريون تحديداً، يتعلق حصراً بعلاقة أحاديث الملاحم بالثورة، . يبدأ المقطع بمشاهد من أحداث الثورة السورية تَظهر على جانب الشاشة، في حين يقول الشيخ المتحدث على الجانب الآخر لها مايلي: «إن ماترونه الآن بأعينكم وماتستمعون إليه الآن في وكالات الأنباء وعبر الفضائيات ونشرات الأخبار قد تحدث عنه النبي المختار الذي لاينطق عن الهوى». هكذا، يلغي المُعلِقُ نهائياً ومن اللحظة الأولى أي احتمالٍ آخر، ويقطعُ جازماً بالعلاقة الكاملة بين الرواية النبوية وبين الحدث الراهن. وهو تحت الضغط النفسي الراهن يستعملُ احترام الناس للنبي الكريم لتأكيد تفسيره الشخصي للقضية، بحيث يُصبح الحوارُ والنقاشُ فيها من البداية مشبوهاً إن حصلَ، ومقروناً بتهمة تكذيبه عليه الصلاة والسلام. بعدها، يظهر خطيبٌ آخر وهو يشرح حديث «لاتقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو قال بدابق»، وبينما يؤكد الخطيب أن دابق هي قرية في شمال سوريا تظهر صورة جانبية فيها خارطة سوريا الجغرافية، ثم تبدو بضعة أسهم وهي تتحرك من أوروبا وقبرص باتجاه المنطقة المذكورة، ليتابع المتحدث قائلا بالعامية: «لاحظ ماقال (حتى تأتي) بل (حتى تنزل) وهذا دليل أنهم يأتون من الشمال». ثم يظهر متحدثٌ ثالث يكرر بداية الحديث المذكور ويقول «مَن الروم؟ الروم أو بنو الأصفر، امتدادهم الآن في العصر الحديث الأوربيون والأمريكيون، نسلُ بني الأصفر. أوروبا وأمريكا». ولتأكيد الصورة الذهنية، تظهر على الشاشة الجانبية أثناء الكلام مشاهدُ لاجتماع إحدى القمم الأوربية ثم مشهد للرئيس الأمريكي أوباما. المفارقةُ أن وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو يظهر في منتصف الصف الأول من لقطة الاجتماع! لكن منتج المقطع لايقف عند دلالة هذه اللقطة وكيف يمكن أن تُظهر التعقيد الكبير المتعلق بالموضوع، فالمهم هو استحضار شاهدٍ بصري يؤكد التفسير المُراد بغض النظر عن (التفاصيل). وتكتمل التركيبة بظهور متحدثٍ رابع يذكر حديث «تصطلحون أنتم والروم صلحاً تاماً فتقاتلون عدواً من ورائكم». وفي هذه اللحظة تُظهر الشاشة الجانبية الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري أحمد معاذ الخطيب وهو يتجه لمصافحة الرئيس الفرنسي أثناء استقبال الأخير له في باريس! ثم يكمل المتحدث قائلاً: «والسؤال: مَن هو هذا العدو؟» لتأتي الإجابة من متحدثٍ آخر يحكي عن إجماع السوريين كلهم على أن «بعض من يقاتلنا يتكلمون اللغة الفارسية»، ثم يذكر إيران و روسيا والصين. وللتأكيد، يظهر متحدثٌ سابق يؤكد على قضية الحِلف مستخدماً هذه الكلمات: «يعني الأمريكان والبريطانيين والأوربيين، يكون بينكم حلف». . هكذا، وبكل بساطة، يُصبح مؤكداً أن أوربا وأمريكا، ومعها تركيا عَرَضاً، ستتدخل لمصلحة الثورة السورية إلى درجة التحالف معها.. بل إن هذا الحلف سيحارب إيران وروسيا والصين.. وينتصر عليها. وتكون لقاءات رئيس الائتلاف السابق الذي لم يعد رئيساً وقت نشر المقطع في أوائل شهر تموز يوليو الحالي مع بعض المسؤولين الغربيين دليلاً على صِحة الأحاديث المذكورة. ويجري تجاهل كل الحقائق التي بات القاصي والداني يعرفانها عن المواقف الدولية من الثورة السورية. ويتم القفز فوق التناقض بين هذه الحقائق وبين تفسير الروايات بشكلٍ يظلم الثورة والرواية والرسول والإسلام نفسه إلى أبعد الدرجات. لكن الموضوع لايقف عند هذا الحد، إذ يظهر أحد المتحدثين السابقين وهو يقول: «وتبدأ علامات الساعة الكبرى في الظهور وكأن المسبحة قد انقطعت وبدأت الخرزات تتساقط. فيغدرُ الروم بعد النصر. يغدرون بالمسلمين كعادتهم. ينكثون العهد. يبدؤون بقتال المسلمين وتبدأ الملحمة الكبرى.. فيقتلهم المسلمون». بعدها، يظهر متحدثٌ سابق أيضاً ليذكر حديثاً آخر ويشرحه قائلاً: «فيخرج عليهم جيش من المدينة. المقصود بالمدينة دمشق بإجماع الشُراح وليس المدينة النبوية لأن المدينة النبوية تكون في ذلك الوقت خراباً بإجماع الشُراح. خلص، مايكون فيها أحد». هكذا، يُمَرَرُ الموضوع دون التساؤل عن علاقة مايجري الآن من أحداثٍ في الثورة بصراعٍ كوني مع الأوربيين والأمريكان يحصلُ وقد أصبحت المدينة المنورة (خراباً)،وبإجماع الشُراح!؟ أخيراً، ينتقل الموضوع إلى خروج المهدي ثم الحديث المعروف عن المراحل التي تحدث عنها الرسول وتتعلق بالخلافة الراشدة ثم الملك العضوض ثم الحكم الجبري وصولاً إلى «خلافة راشدة على منهاج النبوة». نفهم أن يتفاعل البعض مع حرارة الثورة السورية، ونؤمن بأنها ستكون تمهيداً لتغييرٍ حضاري كبير، لكن هذه الطريقة في (استعجال) الملاحم والفتن ونهاية الدنيا لاتصلح مدخلاً للبحث عن خلافةٍ على منهاج النبوة. فهي حين تكون مليئةً بالتعسف والتناقضات لن تترك فسحة للعقل والفهم والتخطيط للتعامل مع التعقيد المحيط بالثورة السورية، وإنما ستصبح سبباً لذبحها بالفوضى والخلاف والاستعجال، والاعتماد على القوة العسكرية وحدها. ناهيك عن أن تسمح مثلُ تلك الرؤية مجالاً لإعمار الأرض والحكم الرشيد فيها بغض النظر عن التسميات. waelmerza@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (80) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :