الثورات الأخلاقية: كيف يتأسس ميثاق الشرف بقلم: هيثم حسين

  • 10/16/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الكاتب الأميركي‭ ‬كوامي‭ ‬أنطوني ينوه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الروح‭ ‬المحركة‭ ‬للعلم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هدفها‭ ‬تغيير‭ ‬وجه‭ ‬العالم‭ ‬وإنما‭ ‬فهمه‭. العربهيثم حسين [نُشرفي2016/10/16، العدد: 10426، ص(13)] ما‭ ‬الذي‭ ‬نقصده‭ ‬بالشرف يتساءل الأميركي كوامي أنطوني أبياه في مقدمة كتابه “ميثاق الشرف.. كيف تحدث الثورات الأخلاقية” ما الذي يتسنى لنا أن نعرفه عن الأخلاقيات من خلال البحث في الثورات الأخلاقية؟ ليذكر أن ما ساقه إلى طرح هذا السؤال هو أن المؤرخين والفلاسفة اكتشفوا الكثير عن العلم من خلال الدراسة المتأنية للثورات العلمية. يجد أبياه أن نمو المعرفة العلمية أدى إلى تفجر ثورة هائلة في مجال التكنولوجيا، وينوّه إلى أن الروح المحرّكة للعلم لم يكن هدفها تغيير وجه العالم وإنما فهمه. ويشير من ناحية أخرى إلى أن الأخلاقيات، كما أكد إيمانويل كانط، هي في الأساس ذات طبيعة عملية؛ فربما كان لما نفكر فيه أو نشعر به أهمية من الناحية الأخلاقية، إلا أن الأخلاقيات، في صميمها، تدور حول ما نفعله. يقسّم أبياه كتابه (منشورات هنداوي في القاهرة، ترجمة رضوى محمد قطيط) إلى خمسة فصول هي: اندثار المبارزة، تحرير الأقدام الصينية، القضاء على الاسترقاق على جانبي الأطلسي، حروب على المرأة، دروس وموروثات. ويرتحل من بريطانيا إلى الصين، ثم يعود أدراجه إلى العالم على جانبي الأطلسي، بحثا عن دور الشرف في ثلاث ثورات أخلاقية اندلعت في الماضي، في مسعى لتعميق الفهم للأبعاد المتعددة للشرف. قضية مصيرية درس أبياه عددا من الثورات الأخلاقية، بحثا عمّا يمكن تعلّمه منها. وسرعان ما لاحظ أن الحالات المتباينة التي تأملّها، سواء كانت انهيار المبارزة في إنكلترا، أو التخلي عن عادة ربط أقدام الفتيات لدى الصينيين، أو نهاية العبودية على جانبي الأطلسي، تجمعها بعض السمات غير المتوقعة. يعد أبياه الشرف قضية مصيرية أغفلتها الفلسفة الأخلاقية الحديثة، ويطالب بمكانة خاصة للشرف في الأفكار حول ماهية الحياة الإنسانية الناجحة. ويعتقد أن إحدى طرق البدء في فهم أهمية الشرف بالنسبة إلى مبادئ الأخلاق هي إدراك الصلات التي تربط بين الشرف والاحترام. ويجد أن الاحترام واحترام الذات كلاهما فضائل إنسانية بالغة ومساعدة على العيش الطيب. يعتقد كذلك أن من شأن الاهتمام بقضية الشرف أن يساعد المرء في التعامل كما ينبغي مع الآخرين، وأن يستغل حياته أفضل استغلال. ويرى أنه قد حان الوقت لتعاد للشرف مكانته في الفلسفة. كما يرى أن الوقائع التاريخية التي يعرضها في كتابه تضرب الأمثال للسمات المختلفة للشرف عبر الأزمنة والأمكنة، وتتيح لنا فرصة استكشافها. وتساعد كل واحدة من هذه الوقائع على إضافة عنصر جديد للصورة ككل. يقول إن اندثار المبارزة وتحرير الأقدام الصينية والقضاء على الاسترقاق على جانبي الأطلسي، ليست ثلاث حكايات منفصلة ذات طبيعة محلية، بل هي خيوط نسيج حكاية إنسانية واحدة؛ حكاية تهمّ من هم في الشرق والغرب. وقد تضفي كل بقعة صبغتها الخاصة على موضوع الشرف. أبياه يجزم أن منظومة الشرف من شأنها أن تضع المرء في موضع المُساءلة حتى إذا لم يقترف ذنبا أو لم يقترف أحد خطأ في حقه يذكر أنه هدفه ليس محاولة فهم أناس آخرين، أو أزمنة أخرى، أو أماكن أخرى فحسب، بل يسعى أيضا إلى محاولة تسليط الضوء على الحياة المعاصرة. ويهدف أيضاً إلى شرح مفهوم الشرف حتى يتسنّى لنا إدراك أهميته المستمرة في حياة كل واحد منا. كما يهدف تحديداً إلى استغلال الدروس المستفادة من الماضي لمواجهة واحدة من أخطر المشكلات التي تطرحها قضية الشرف في العالم المعاصر؛ ألا وهي قتل النساء والفتيات باسم الشرف. وتراه ينتقل في الفصل الرابع إلى باكستان في محاولة لفهم واحد من جوانب الشرف القاتمة ومواجهتها. يسلّط الضوء على باكستان، وينوّه إلى أنها ليست المكان الوحيد على سطح الكرة الأرضية الذي ترتكب فيه جرائم قتل باسم الشرف. الخزي والعار يتساءل ما الذي نقصده بالشرف؟ ويجيب أن الفيلسوف ستيفن داروال ميّز مؤخرا بين طريقتين مختلفتين في الأساس لاحترام شخص ما. الطريقة الأولى، التي أطلق عليها اسم الاحترام التقييمي تعني أن يقوم المرء بإصدار حكم إيجابي لصالح شخص ما وفقا لمعيار معين، والأخرى الاحترام الإقراري، يقر على أساسها حقه. يلفت إلى أن من المهم استيعاب أنه على الرغم من أن الشرف استحقاق للاحترام، وأن الخزي يأتي بفقدان هذا الحق، فإن أيّ شخص يتمتع بالاحترام يعنيه قبل كل شيء أن يكون أهلاً لهذا الاحترام، قبل أن ينال هذا الاحترام. ويجد أن الشخص يشعر بالخزي عندما يقصّر في التزامه بمعايير ميثاق الشرف؛ وأنه يشعر بهذا الخزي أيضا سواء عرف الناس بتقصيره هذا أم لا. وتراه يعرّف الخزي بأنه الشعور المناسب لسلوك منافٍ للشرف. ويجد أنه نتيجة لهذا الرابط بين الشرف والخزي، فإن إحدى طرق التعبير عمّن ليس أهلا للشرف هي نعته بالوقاحة أو قلة الحياء. يجزم أبياه أن منظومة الشرف من شأنها أن تضع المرء في موضع المُساءلة حتى إذا لم يقترف ذنبا أو لم يقترف أحد خطأ في حقه. ويؤكد أن الشرف ليس بالأمر الشخصي فحسب، وأن شرف المرء يرتبط ارتباطا وثيقا بجوانب من الهوية يستقي منها عضويته في فئة اجتماعية ما بطرق عديدة. كما يعتقد أن الهوية الجماعية ترسم ملامح الشرف الشخصي؛ لأن احترام شخص ما أو ازدراءه هو نتاج طريقة تفكير المرء بصفته عضوا ينتمي إلى فئات اجتماعية مختلفة. وعليه فإن الهوية تستمد أهميتها من دورها في تحديد ما تفرضه مواثيق الشرف من متطلبات. ينوّه إلى أن الطبقة الاجتماعية تلعب دورا أساسيا هي الأخرى. ففي إنكلترا في القرن الثامن عشر، كانت مواثيق الشرف تُلزم الرجال أبناء الطبقات الراقية بقبول التحدي في مبارزة إذا ما صدر عن سيّد نبيل. أما في الصين في القرن التاسع عشر، فكانت مواثيق الشرف الخاصة بها تُلزم النساء من بنات الطبقات الراقية بربط أقدامهن. وفي كلتا الحالتين، كان ما تنص عليه مواثيق الشرف من سلوكيات منوطا بالمكانة الاجتماعية والجنس؛ كما أن طريقة التعامل مع الطرف الآخر كانت متوقفة على هويته بدوره. هل من تغييرات مستشرفة يتساءل ما إن كان بالإمكان استشراف تغييرات في مفهوم الشرف لدى من يقتلون النساء باسم الشرف في باكستان وغيرها من الأماكن التي يتم قتل النساء فيها تحت هذا القناع. ويعتقد أن ما حدث في الثورات الاجتماعية السابقة لم يكن تغييرا طرأ على المعتقدات الأخلاقية بقدر ما كان ثورة شهدتها الممارسات؛ ثورة لعب الشرف فيها دورا محوريٍّا. ويؤكد أنه لم يكن الجديد هو الحجج الأخلاقية، بل كان الجديد هو الرغبة في الانصياع لهذه الحجج. كما يؤكد اختلاف الدور الذي اضطلع به الشرف في الثورات الأخلاقية الثلاث، وأدرك أنّ ثمة أكثر من آلية تربط بين الشرف والتطور الأخلاقي. أبياه يرى أن من شأن فهم المغزى من الأخلاق أن يمنع الجندي من أن يعتدي على الكرامة الإنسانية لسجنائه، ومن شأنه أيضا أن يجعله يستنكر تصرفات من يقدّم على مثل هذا الاعتداء يؤكد أبياه أن العنصر الأساسي في هذه الحالات كافة هو أنه كان لا مفر من تغيير مواثيق الشرف إذا كان لتلك الممارسات أن تختفي. أما السمة الثانية المشتركة فهي أن ميثاق الشرف قد واجهته تحديات أخلاقية ودينية قبل اندلاع الثورة بكثير، وأخيرا تجتمع الحالات الثلاث كلها في أنه مع نهاية الثورة، كان الشرف قد جُنِّد بنجاح لينضمّ إلى الأخلاق. يتحدث عن الشرف كوسيلة لتحفيز الجنود في الجيوش. ويجد أن هناك سبباً آخر وراء تفضيل الشرف على القانون باعتباره آلية من آليات تحفيز الجنود. ويعتقد أن التضحيات الأكثر فائدة في الحروب هي من النوع الذي يتطلّب أن تتحمّل المخاطر، والتي تعني الإقدام على أفعال هي بلغة الجنود زائدة عن المطلوب؛ أي أفعال محببة على الصعيد الأخلاقي، ولكنها تتطلّب بذل النفيس والغالي لدرجة لا تجعلها لازمة على المستوى الأخلاقي. يرى أبياه أن من شأن فهم المغزى من الأخلاق أن يمنع الجندي من أن يعتدي على الكرامة الإنسانية لسجنائه، ومن شأنه أيضا أن يجعله يستنكر تصرفات من يقدّم على مثل هذا الاعتداء. ولكن لا بد من حسّ الشرف حتى يتخطّى الجندي مرحلة فعل الصواب والتنديد بالخطأ ليصل إلى مرحلة الإصرار على فعل شيء ما عندما يُقْدِم من هم حوله على أفعال خبيثة، ولا بد من حسّ الشرف حتى يتسنَّى للمرء الشعور بأنه صار متورطا بأفعال أقدم عليها آخرون. يشار إلى أنّ كوامي أنطوني أبياه هو عضو في الأكاديمية الأميركية للفنون والآداب، وهو أستاذ الفلسفة بجامعة “لورنس إس روكفلر” وفي مركز القيم الإنسانية بجامعة برينستون، كما يشغل منصب رئيس مركز “بن أميركان سنتر". كاتب من سوريا :: اقرأ أيضاً فهرنهايت‮ 6102: موسم‭ ‬حرق‭ ‬الكتب‭ ‬ومن‭ ‬يكتبها نور الدين أفاية: العالم العربي يشهد حربا شرسة على العقل والتفكير فاروق شوشة عاشق العربية الجميلة يترجل ‬ مهرجان دولي لفن القصص المصورة في القاهرة

مشاركة :