الخيانة الخشنة والناعمة

  • 3/9/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

هناك فرق جوهري بين أن تناقش ما يجري في وطنك وتنتقد الممارسات التي تعرقل تطوره وتنميته على كل الأصعدة، وتشير إلى المجالات التي تستلزم تحديثها وتطويرها لتناسب تطلعات المواطنين التي تتسق مع مستجدات الوقت واحتياجات المراحل وارتفاع الوعي في المجتمع؛ من أجل أن ترى الوطن لائقا بمواطنيه وبإمكاناته البشرية والمادية، مستقرا وقويا وآمنا، تتحقق فيه عدالة المواطنة بالمساواة في الحقوق والواجبات، وبين أن تمتشق معول النقد انطلاقا من نزعة لا تؤمن بالوطن أساسا، ولا ترى مشروعية في وجوده بصيغته القائمة المتمثلة في استقلاله ككيان ودولة وطنية، فيتحول النقد إلى إصرار على إلغاء كل شيء فيه. وهذه الفكرة المركزية القائمة على «اللا وطن» هي التي نشأت منها وتفرعت كل أشكال الممارسات العملية والنظرية التي تبلورت لتنضوي تحت مسميات وشعارات مختلفة. لقد نتج عن تلك الفكرة شكلان رئيسيان للممارسات المناهضة للوطن، أحدهما سافر وصريح ومباشر وعملي، حول الفكرة بعد اختمارها إلى عمل إرهابي مسلح تحت لواء تنظيمات اغتصبت مفهوم الجهاد على هواها ووجهت فوهات بنادقها ومتفجراتها تجاه الوطن، وبعد أن حاصرها ولفظها رحلت إلى ساحات خارجية استخدمتها كمراكز قيادة وغرف عمليات ظاهرها محاربة الغير، بينما الهدف الاستراتيجي لها هو تقويض الوطن والحلم بإعادة تشكيله من جديد وفق الفكرة الأممية والخلافة الإسلامية، مع أنها فكرة تجسد أكثر الهلوسات تجليا وأبعدها عن المنطق الممكن. وفي الجانب الآخر، نشأت قوة تقويض ناعمة ما زالت داخل الوطن تدس السم في الدسم بتبني أفكار وأطروحات قد تبدو في ظاهرها بريئة ومنطقية للعامة والبسطاء، لكنها في حقيقتها أخطر من محاولات التقويض بالعنف؛ لأنها تشتغل على زرع أفكارها من خلال الولاء الحزبي والأيديولوجي، باعتبار رموزها الممثلين المحليين لمؤسسي الفكرة، وعليهم تحضير وتجهيز الولاءات لتكون مستعدة عندما تحين اللحظة التاريخية التي يحلمون بها. هؤلاء وطنيون شكلا، لكنهم مدمرون للوطن في حقيقتهم، وقد كذبوا على فئة كبيرة من المجتمع واستغفلوهم واستطاعوا استقطابهم، لكن الحقيقة اتضحت عندما بدأ حراكهم شبه المعلن في الفترة الماضية القريبة. كلهم ــ أصحاب القوة الخشنة والناعمة ــ لم يعد هناك غطاء يسترهم، ولم يعد هناك مجال لهم ولأتباعهم والمتعاطفين معهم، وقد حدد بيان وزارة الداخلية الأخير تنظيماتهم وجماعاتهم وأحزابهم وتياراتهم، وليس لهم خيار ثالث، فإما أن يتوبوا صدقا إلى الوطن، أو يدفعوا ثمن خيانتهم له. عكاظ

مشاركة :