استمع محمود الريماوي تشكل اتفاقية الغاز المبرمة بين شركة الكهرباء الأردنية وشركة أمريكية، واحدة من أكثر القضايا سخونة في الشارع السياسي الأردني. الشركة الأمريكية (نوبل إنيرجي) تنتج الغاز من حقول في البحر المتوسط قريباً من الشواطئ الفلسطينية في غزة. تقضي الاتقافية بدفع 10 مليارات دولار مقابل 45 مليار متر مكعب من الغاز المسال على مدى 17 عاماً. تحاجج الحكومة الأردنية بأن الاتفاق هو بين شركة الكهرباء وشركة أمريكية، وفي واقع الأمر أن شركة الكهرباء مملوكة للحكومة، والشركة الأمريكية لا تنتج غازاً أمريكياً بل غازاً مستخلصاً من مياه المتوسط الفلسطينية. وتنشط حملة للضغط على الحكومة للتراجع عن الاتفاق الذي يربط الأردن استراتيجياً بمصدر طاقة يسيطر عليه الإسرائيليون وهو حقل ليفاناثيان الذي لم يجد زبوناً بعد لإنتاجه سوى الأردن وتملك الشركة الأمريكية 39 بالمئة منه. كما تحاجج أوساط حكومية بأن الاتفاقية تنسجم مع معاهدة السلام الموقعة مع تل أبيب. علماً بأنها اتفاقية سلام كما يدل على ذلك اسمها وليست اتفاقية ربط اقتصادي، واعتمادية من طرف واحد على طرف آخر. الاحتجاجات اتخذت طابعاً رمزياً بإطفاء الكهرباء لفترة ساعة ليلاً، احتجاجاً على سلوك شركة الكهرباء. وتسير تظاهرات بصورة أسبوعية في قلب العاصمة عمان مندّدة بهذه الاتفاقية. ومن الدفوع الحكومية أن شركة الكهرباء (التي تستخدم الغاز لإنتاج الطاقة الكهربائية) مُنيت بخسائر بلغت 5 ملايين دينار، علماً أن هذا المبلغ يشكل قطرة في بحر الدين العام الذي يزيد على 30 مليار دولار أمريكي. ولا يعقل أن يكون الربط الاقتصادي مع كيان مازال يهدد الأردن (يرفض عودة قرابة خمسة ملايين لاجئ ونازح في الأردن إلى ديارهم) هو الباب إلى ترشيد الانفاق. الحكومة حاولت مقايضة الجانب الإسرائيلي بالسماح بتصدير منتجات أردنية إلى الضفة الغربية بسقف يصل إلى مليار دولار سنوياً. لكن الجانب الآخر لم يلتزم بشيء من هذا القبيل، فالضفة الغربية المقفلة الحدود براً وجواً هي سوق هائلة للمنتجات الإسرائيلية، ولن يقبل الطرف الآخر بتمتيع الأردن بفرصة مشاركته في هذه السوق. وقد لوحظ قبل أيام أن الجزائر قدمت عرضاً للحكومة الأردنية لتصدير الغاز المسال إلى الأردن وفق الأسعار العالمية. ولا شك أن مفاوضات حثيثة مع الجانب الجزائري مؤهلة لأن تفضي إلى اتفاق يحدد سعراً بين المتداول في الأسواق وبين سعر تفضيلي، وبما يمثل في النتيجة عرضاً أفضل من الذي تقدمه الشركة الأمريكية، علماً أن هناك مذكرة تفاهم موقعة بين الجانبين في العام 2015. وليس سراً أن التعاون في هذا المجال الذي يتخذ صيغة ربط اقتصادي في قطاع شديد الحيوية، كان على الدوام مطلباً أمريكياً من الأردن، لتعميق تطبيع العلاقات الثنائية، مع التذكير بأن التزود بغاز إسرائيلي يجد أسبقية له في قيام شركة البوتاس الوطنية بتوقيع عقد في فبراير/شباط 2014 بلغت قيمته أكثر من 500 مليون دولار ومع شركة نوبل إنيرجي نفسها لاستيراد الغاز من حقل تامار لمدة 15 عاماً، وفي ظرف شهد آنذاك انقطاع الغاز المصري عن الأردن. يذكر هنا أن شركة نوبل إنيرجي ليست شركة أمريكية خالصة بل تمثل ائتلافاً لشركات بينها شركات إسرائيلية. وبينما دأبت الحكومة على القول إن العرض الذي تحصلت عليه هو أرخص الأسعار في السوق العالمية، يحاجج ناشطون بأن السوق العالمي يشهد فائضاً في الإنتاج، وأن سعر الغاز الروسي الذي يقطع آلاف الكيلومترات باتجاه أوروبا هو أرخص، مقارنة بغاز يحتاح وصوله إلى الأردن لقطع مسافة تناهز المئة كم فقط. وأنه في الإمكان تجديد الاتفاقات مع الجانب المصري بعد اكتشاف حقول جديدة في مصر. علماً أن بنود الاتفاقية وجوانبها المختلفة لم تُنشر بعد، ومن المنتظر أن يثير نشرها المزيد من الجدل الساخن بما في ذلك في الشارع. فمعاهدة السلام لم تفرز أي تطبيع شعبي أو أي قبول من أي نوع للكيان الصهيوني، وتكفي الإشارة في هذا المجال إلى أن الجانب الصهيوني ينقض على الدوام وبغير انقطاع البنود الواردة في معاهدة السلام حول الرعاية الأردنية للمقدسات في القدس، رغم ما لهذا الأمر من حساسية شديدة، ولم تنجح كل الاتصالات والجهود الرسمية في حمل حكومة نتنياهو على التوقف عن استباحة المسجد الأقصى، وفي تحدٍ سافر لعموم المسلمين وللفلسطينيين وللأردنيين خصوصاً. وبينما تعتبر الحكومة أن الاعتراض على الاتفاقية سياسي محض، وتنقصه الواقعية لحاجة الأردن الماسة إلى الطاقة (الغاز هنا) فإن ناشطين يحاجون بأن الذهاب إلى إبرام اتفاقية الغاز تم لدواعٍ سياسية من بينها الحرص على العلاقات مع الولايات المتحدة التي تدخلت غير مرة في السنوات القليلة الماضية من أجل الربط الاقتصادي بين عمان وتل أبيب. وأن حاجات الأردن من الغاز مؤمنة بنسبة 85 بالمئة عبر ميناء خاص في العقبة يستقبل واردات الغاز. ومن المنتظر أن تثير الاتفاقية نقاشاً حامياً في مجلس النواب الجديد الذي يلتئم بعد نحو ثلاثة أسابيع، وحيث يستعد نواب لربط الثقة النيابية بالحكومة، بالتراجع عن الاتفاقية التي يتكتل رأي عام واسع ضد إبرامها.
مشاركة :