كشف الدبلوماسي المصري، المندوب المناوب لمصر في الأمم المتحدة سابقا، ومساعد وزير الخارجية للتخطيط السياسي السفير نعمان جلال، الخلفيات المثيرة للجدل، حول خلافات مصرية سعودية، عقب تصويت مصر على مشروعين الروسي والفرنسي في مجلس الأمن، مما أثار التكهنات حول أسباب التناقض والخلافات بين القاهرة والرياض. وقال جلال،وهو عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، في حواره مع الغد: إن العمل في الأمم المتحدة، يتسم بسمات خاصة منها التداخل بين الاستراتيجية والتكتيك، وهذا ما يبدو لغير الخبراء في التعامل الدولي على أنه خطأ جسيم أو تناقض في المواقف. ولكن التعمق في الأمور يظهر أنه موقف يرجح الجانب التكتيكي بهدف تحقيق نتائج استراتيجية لا يمكن الإعلان عنها مسبقاً ويترك تحليلها للخبراء والمتخصصين. ولقد جاء تصويت مصر في مجلس الأمن في هذا السياق وهو ما أحدث نوعاً من البلبلة لدى البعض، وتساءلوا عن أسباب التصويت المصري، وهل هو ضد الموقف السعودي. أربعة أسباب وراء التصويت المصري وردا على سؤال حول الدوافع الحقيقية وراء الموقف المصري، الذي أثار غضب المملكة السعودية ، كما كان واضحا من تعقيب مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة؟ قال السفير جلال : في تقديري أن الموقف المصري أملته الاعتبارات التالية، الأول، إدراك مصر أن طرح مشروعين يبدو بينهما التناقض من قبل دولتين هما روسيا وفرنسا لكل منهما حق «الفيتو»، ما يعني عملياً أنه لا يمكن أن يوافق المجلس علي أي من المشروعين.. والاعتبار الثاني، أن كل من الموقفين المصري والسعودي خاصة والعربي عامة، هدفه حماية الشعب السوري. ولكن من الناحية العملية بما أنه لا يمكن إقرار أي من المشروعين، فإن مثل هذه الحماية لن تتحقق.. والثالث أن الموقفين الروسي والأمريكي في جوهرهما موقف واحد أحدهما يعتمد القيادة من الخلف ولا يدعم المقاومة السورية كما ينبغي، بل أحياناً يتفق على أشياء عكس ذلك مع القوة الكبرى الأخرى. ولهذا هدد الروس أمريكا عندما انتقدت موقفهم بأن تعلن عن اتفاقهما الذي يعملان في ظله ولم تعلن أمريكا أي شيء للرد على الطلب الروسي، أما روسيا فهي مصرة على استعادة بعض مواقعها التي خسرتها في الشرق الأوسط. في ظروف الهيمنة الأمريكية، وأضاف: الاعتبار الرابع وراء القرار المصري، أن نظام الأسد في ظل التعاون الروسي الإيراني لن يتخلى عن السلطة على الأقل في المرحلة القريبة، والمعارضة لن تنجح لأن مؤيديها من القوى الكبري لا يدعمونها بقوة كما تدعم روسيا وإيران نظام الأسد. في ضوء ما سبق فإنه من الناحية الاستراتيجية لن تتحقق الإطاحة بنظام الأسد، وسيظل في الفلكين الروسي والإيراني، بينما سوريا خاصة الثورة الإسلامية لن تنجح لاعتبارات داخلية وإقليمية ودولية. فالقوي المعارضة متشرذمة ومتصارعة ويتعاون بعضها مع القوى الإرهابية وتعيش القوى الإسلامية في عالم مفترض لا يؤمن بالديمقراطية أو بالوطن أو العروبة. تصويت امتناع احتجاجي وحول ما أثير بشأن التصويت المصري ، أنه كان مفاجئا وغير متوقع وبتعبير السفير السعودي لدى الأمم المتحدة مؤسف ومؤلم ؟ قال السفير جلال، من الناحية التكتيكية بالنسبة لمصر كعضو غير دائم في مجلس الأمن ليس هناك مبرر للانضمام لفريق خاسر ضد فريق خاسر، لذا اتخذت موقفاً فريداً بالتصويت لمشروعي القرارين وهي تعلم أن أياً منهما لن يتم إقراره. وهذا التصويت هو أقرب للامتناع الاحتجاجي. والضجة التي أثيرت حول التصويت لا تدرك فلسفة المواقف فلو افترضنا أن مصر صوتت فقط لمصلحة مشروع القرار الغربي ضد الروسي ونتائجهما محسومة بالفيتو فلن يكن صائباً ولذا اتسم الموقف المصري بنوع من الذكاء التكتيكي لتأكيد هدف استراتيجي وهو أن مصر مع وحدة سوريا وحماية الشعب السوري وليس مع نظام الأسد ، ولا مع الجماعات الإسلامية التي شوهت صورة الإسلام الحنيف. توافق استراتيجي وخلاف تكتيكي بين القاهرة والرياض وتابع الدبلوماسي المصري، للغد: النظرة الاستراتيجية المصرية والسعودية واحدة والاختلاف بينهما في التكتيك. وينبغي أن نذكر أن مصر لا تتاجر بقضايا أمتها العربية أو الإسلامية كما تفعل دول أخرى وهدفها حماية الأمن القومي ومهما يكن نظام الأسد فلن يستمر طويلاً فهو ضد مسيرة التاريخ وضد إرادة الشعب السوري رغم ما يشوبه من شكوك في هذه اللحظة. ورد الفعل السعودي في مجلس الأمن من واقع التلميح من المندوب السعودي الدائم كان أكثر حكمة لأنه يعرف التكتيكات في المنظمة الدولية بينما بعض رجال الإعلام وبعض السياسيين سواء من الجانب المصري أو السعودي لا يعرفون ذلك. مصادفة قرار إداري من أرامكو وحول تزامن وقف إمدادت المحروقات والنفط لمصر، مع واقعة التصويت في مجلس الأمن .. أوضح السفير نعمان جلال: أن سبب الشكوك بشأن خلافات مصرية سعودية حول الأزمة السورية، أنه تصادف إرسال شركة «أرامكو» رسالة لشركة البترول المصرية تبلغها أنها لن تستطيع توريد الشحنة المتفق عليها في أكتوبر، وتلازم هذا الموقف زمنياً مع التصويت في مجلس الأمن. وبدا كما لو كان رد فعل سعودي على الموقف المصري. وكمتابع للإحداث أعتقد بخطأ النتائج التي توصل إليها بعض المحللين. ففي تقديري أن موقف شركة «أرامكو» ربما مرجعه اعتبارات إدارية وليست سياسية أو تجارية. فالقرار السياسي تعلنه السلطة السياسية ولم تعلن السلطات السعودية أي موقف. أما إذا كان قراراً تجارياً فالصفقات بين الشركات تحكمها قواعد دولية ومن لا ينفذ شروط التعاقد من الطرفين يمكن أن يتعرض للمساءلة ولذا فالمرجح أنه قرار إداري. موقف مصر العقلاني أجهض محاولات الترويج للخلافات مع الرياض وأضاف، هناك من حاول الترويج للخلافات والتوتر في العلاقات بين مصر والسعودية، ولكن مصر أخذت الموقف برمته مأخذاً عقلانياً وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي الموقف الاستراتيجي المصري في أمرين: أن العلاقات المصرية السعودية علاقة قوية ومتينة، وأن موقف مصر من أمن الخليج العربي هو موقف قومي، وأن مصر لا تتخلي عن مبادئها نتيجة أية اعتبارات طارئة.. أما السعودية فقد لزمت الصمت فهي لا تعلق على كتابات صحافية، وهذا يعني أنه ليس لديها أية شكوك في الموقف المصري الاستراتيجي، وربما لا تتفق مع الموقف التكتيكي، وهذا في ذاته ليس أمراً جديداً فكثير من المواقف التكتيكية بين الدول، ليس بالضرورة الاتفاق بشأنها، فالتكتيك تديره كل دولة بطريقتها والمهم هو الموقف الاستراتيجي.
مشاركة :