لو كان العراق رجلاً لما أصبح سوى رجل مريض، حياته مقسّمة بين المستشفى والخروج منه لاستنشاق الهواء ثم العودة لمكابدة الآلام. منذ أيام الحجّاج وهو يغوص في مواجعه، وتخنقه أيادي المحتلين الذين تعددت بشراتهم ولغاتهم، فإن سلم منهم تلقفته أيدي أبناء عاقين طامعين في السلطة والثروة. هذا العراق الذي يستحق من المجد والنماء ما يتناسب مع تعدد أعراقه ومذاهبه وحضاراته، لم يشهد من الهناء إلا سنوات استنشق فيها عبير الكرامة والحرية. أهم هذه السنوات كانت في عهد عبدالرحمن عارف، الرئيس الذي جاء في صمت ورحل في صمت، فقط لأنه لم يقتل أو يظلم، وهذا في لحن التاريخ العراقي نشاز يستحق صاحبه النعت بالضعف والجبن. حتى نُشِر أن أسوأ رئيس في تاريخ العراق على الإطلاق -نوري المالكي- استخدمه على سبيل التندر عندما قال: لن أكون عبدالرحمن عارف ولا صدام حسين. عندما تولّى عبدالرحمن عارف الرئاسة عفا عن كل المسجونين السياسيين، وأمر بإعادة كل حقوقهم الوظيفية، وسمح بحرية المعارضة والنقد للحكومة، وقال «جئنا لنحكم بالعدل، وليس لإرهاب الشعب، فلندع الشعب يعبر عن رأيه بأسلوب حضاري وديمقراطي، ونستمع إلى ما يقول، ونصحح أخطاءنا، ونتشاور مع الجميع». مع طفرة المشاهد المأساوية التي تجتاح وسائل التواصل مصوّرةً حياة الدم في العراق، لا يملك المرء إلا انتظار بزوغ وطني جديد كعبدالرحمن عارف يحقن الدماء ويصون حريات شعبه.
مشاركة :