النسخة: الورقية - دولي لست في وارد الادانة او الشجب او الاستنكار، ولست كذلك في وارد التأييد والدعم والتبريك، كل ما في الأمر أنني أحببت ان أتطرق الى ظاهرة التعري التي برزت أخـيـراً فـي الـعالـم الـعربـي، ومنه لبنان، وهو تعر بالملاحظة للجنس الأنثوي فقط، أي انه يحمل في ظاهرتي نقده وتأييده طابعاً جندرياً، لا يغيب عن بال المراقب ويلفت الانتباه الى أن النساء أصابهن الملل من كثرة ما تم التطرق الى أحوالهن الجسدية، وإخضاعها لكل راغب في تحصيل مراكز شرفية أو اقتصادية، فقررن الاحتجاج او التعبير أو الانقياد في لعبة الذكور من أجل الشهرة والاستفادة. هنالك ملاحظات لا بد من سردها قبل التطرق الى النتيجة المبتغاة. الأولى ان التعري يختلف شكلاً ومضموناً بين علياء المهدي وحركة «الفيمن» العربية وبين ما قامت به الرياضية جاكي شمعون. الملاحظة الثانية ان كل أنواع العري الذي ذكرناه في النقطة الأولى أثار زوبعة من الاحتجاجات في مختلف الأوساط الشعبية، التي تحمل فهماً محدداً لقيمة المرأة، يحتل فيه حيز الجسد مكاناً مرموقاً ومهماً، وطبعاً نفخ في هذا الاحتجاج الاكليروس الديني، على تنوعه. الملاحظة الثالثة هي بروز أصوات مؤيدة لحرية المرأة في التعبير عن نفسها بمختلف الأشكال، لكن هذا البروز كان دائماً باهتاً وضعيفاً، يحمل الحجة في يد ومحاولة تبريرها في اليد الأخرى. الملاحظة الرابعة هي ضعف التأييد النسائي لمثل هذا التعري على أشكاله، على رغم الاحساس، ضمناً، بأنه قد يقدم شيئاً على صعيد تطور الحركة النسائية وزيادة جرأتها في التعاطي مع مواضيع خاصة وتحويلها الى قضايا رأي عام. الملاحظة الخامسة هي في بهوت عامل الجمال في عملية التعري، فباستثناء جاكي شمعون التي أرادت، ولهدف سياحي تجاري، اظهار مفاتنها، فإن غالبية المتعريات كن من صاحبات الجمال العادي، الذي لم يبتغ اثارة او مصلحة اقتصادية، وهنا قد يبرز سؤال حول حق اظهار مفاتن الأنثى اذا كانت من صاحبات الجمال، وضعف حقها في اظهار خفاياها إن لم تكن من الجميلات. الملاحظة السادسة هي الاستغلال السياسي لقضايا التعري الى أبعد حدود، بحيث يضعها بعض المتزمتين في خانة التصدي للعلمانيين، الذين على زعمهم يشجعون التحلل الأخلاقي ويسعون الى دمار قيم المجتمع المحافظ وانتهاك قيمه الدينية والتاريخية. وفي المقابل، يضعها العلمانيون في اطار حرية التعبير الشخصي وحق من حقوق المرأة المغبونة. الملاحظة السابعة وعلى رغم كل الضجيج المفتعل، فإن الملاحظ ان حالات التعري لم تتعد حدوداً معينة، وبقيت محصورة على نطاق ضيق، ولم تعتبرها النساء الناشطات في الحقل العام وسيلة جديرة بالاقتداء ولم تنصح بها. الملاحظة الاخيرة، ليس هنالك اي شبه بين تعري جاكي شمعون، التي اعتذرت عن فعلتها وبررتها بصناعة الإعلام والسياحة، وتراجعت عمداً او خوفاً عن موقفها، وبين تعري علياء المهدي التي لم تعتذر ولم تتراجع على رغم كل الضغوط واضطرت الى ترك بلدها من وراء ذلك. أبشــع ما فــي الأمـر أن الوطـن كـله يـتـعـرى كل يـوم أمام نـفسه وأمام العالم، فيما الجميع يحتج إن تعرت احدى صـبايـاه مـهما كـانت حـجـتهـا وراء ذلك.
مشاركة :