في رأينا أن تتويج مغنّ، أيا ما تكن قيمته، بأكبر جائزة أدبية في العالم، هو كمثل تتويج جوكي أحسنَ رياضيّ على وجه البسيطة. العربأبو بكر العيادي [نُشرفي2016/10/20، العدد: 10430، ص(15)] إثر إعلان الأكاديمية السويدية عن اسم الفائز بجائزة نوبل للآداب لهذه الدورة، نشرت صحيفة فرنسية في نسختها الإلكترونية مقالة استهلتها بهذه الجملة: “كلا، هذه ليست مزحة”، لتنبه قراءها إلى أن ما سوف يَرد أدناه هو عين اليقين. ذلك أن خبر تتويج بوب ديلان بدا لأول وهلة مثل كذبة أبريل، وقلّ من صدق أن الجهة المانحة آثرت مغنّيًّا على فيليب روث ودون ديليلّو وموراكامي وكورماك ماكرتي وسواهم من الكتاب البارزين. وإذا كان بعض المرشحين، بعد زوال أثر المفاجأة، قد اكتفوا بتصريحات دبلوماسية للحفاظ على حضورهم في القوائم القصيرة للدورات القادمة، كقول الأميركية كارول جويس أوتس “حتى ليونارد كوهين يستحقها”، وقول سلمان رشدي “ديلان وريث لامع لتقاليد الشعراء الغنائيين من أورفيوس إلى الهندي فايز علي فايز”، فإن آخرين عبّروا عن انذهالهم أمام هذا الاختيار، وشنّعوا بما عدّوه استهانة من لجنة نوبل بالأدب والأدباء، بعد أن سوّت بين الشعراء ومؤلفي الأغاني، وفتحت الباب أمام فناني البوب والفولك ولم لا الرّاب والأر-أند-بي في مرحلة قادمة، بل إن بعضهم علّق في سخرية: “لا نستغرب أن يفوز فيليب روث عمّا قريب بجائزة غرامّي (أكبر جائزة موسيقية في أميركا) بعد أن اختلط الحابل بالنابل”. وفي رأينا أن تتويج مغنّ، أيا ما تكن قيمته، بأكبر جائزة أدبية في العالم، هو كمثل تتويج جوكي أحسنَ رياضيّ على وجه البسيطة، والحال أن الفضل للجواد الذي يمتطيه وليس لمؤهلاته وحدها، فالفضل في انتشار ديلان ليس شعره بل أغانيه، ولو اكتفى بنشرها على الورق لما التفت إليها غير عشاقه ومريديه، تماما كما جرى لمجموعته التجريبية “ترانتولا” التي نشرها عام 1971، ولم يستطع قراءتها أو إتمام قراءتها أحد، لإغراقها في ما أسماه “ما بعد البِيت”، “كلام كالحجاء أو هذيان مجنون” حسب عبارة أحد النقاد الفرنسيين، رغم أن بعض عشاقه عدّوا تجربته امتدادا لوالت وايتمان ووليم فوكنر وألان جينسبرغ. فهل اختارت لجنة نوبل المغنّي أم الشاعر؟ إن كان اختيارها له عن شعره، فهو لا يرقى مثلا إلى منجز روني شار وإيف بونفوا وفيليب جاكوتيه ممن غفلت عنهم، وإن كان عن أغانيه فاللجنة ليست مؤهلة لذلك. والحقّ أن نوبل لا يمكن أن تكون معيارا للجودة، لأنها، كسائر الجوائز الأدبية، خاضعة للأمزجة، وحسبنا أن نذكر بعض الفائزين، من ألفريد ايلينيك وسفيتلانا أليكسيفيتش إلى توماس ترانسترومر وباتريك موديانو، لندرك أن قيمتها الوحيدة الباقية هي المكافأة المالية، وما عداها جعجعة دون طحن. كاتب من تونس مقيم بباريس أبو بكر العيادي :: مقالات أخرى لـ أبو بكر العيادي ما قيمة نوبل اليوم؟ , 2016/10/20 معرض باريسي يجمع ثلاثة تيارات فنية متباينة رسمت المستحيل, 2016/10/17 مصححون أم محرفون؟ , 2016/10/13 دنيس كيلي يواجه العنف والعنصرية المتجددة بنص مسرحي مرعب, 2016/10/10 تونس بلد العجائب , 2016/10/06 أرشيف الكاتب
مشاركة :