عانيت وما زلت أعاني من تهافت مصححيها، وكلما أعدت قراءة نص لي بعد نشره، أضحك ضحكا كالبكاء وأنا أرى اللازم متعديا والمنصوب مرفوعا والأسماء الخمسة مبنيّة. العربأبو بكر العيادي [نُشرفي2016/10/13، العدد: 10423، ص(15)] في تدوينة له على صفحته بالفيسبوك عبّر الناقد العراقي الكبير ماجد السامرائي عن انزعاجه من كثرة الأخطاء التي تشوب المنشورات العربية اليوم، إذ تكاد لا تخلو مقالة أو دراسة أو مصنَّف من أخطاء، بعضها هيّن اختلف فيه علماء اللغة منذ العصور القديمة، وبعضها الآخر لا يُغتفر لكاتب، إذ يشمل النحو والصرف والتركيب والرسم، فضلا عن الأخطاء اللغوية، ولا تستثنى منه المؤلفات المدرسية والأكاديمية. وقد جرت العادة عندنا أن يلام الكاتب في المقام الأول على تقصيره بوصفه مُنشِئ النص، فبعض الأخطاء قد ينجم عن سهو يدرك حتى الكبار، ولكن بعضها الآخر يتأتى من قلة إلمام الكاتب بقواعد اللغة، أو استهانته بها بدعوى أن المبدع في جوهره متمرّد على الثوابت، لا يتقيّد بقاعدة. ثم يلام الناشر في المقام الثاني لكونه ينشر المواد بعلاّتها دونما تحرّ أو مراجعة، ولا سيّما فئة من الخواصّ اكتسحت المجال لأغراض تجارية صرفة. والحقّ أن في هذا الرأي بعض الصواب، وليس الصواب كلّه، فإذا كان صحيحا أن الكاتب ملومٌ وكذا الناشر في ظهور المنشورات على اختلاف أنواعها ومستوياتها بذلك الكمّ من الأخطاء، فإن الملوم أيضا هو من تُعهد إليه مهمة التدقيق اللغوي لتنقية المادة التي بين يديه مما يشوبها كي تظهر للقراء في أحسن وجه، ونعني به المصحّح. هذه المهمة لا توكل في المؤسسات الفرنسية مثلا إلا للضالعين في اللغة، وهم في العادة من قدماء المدرسين، العارفين بأسرار اللغة ودقائقها وفروقها، ولكنها لا تكتسي الأهمية نفسها عندنا، إذ يمكن إسنادها إلى أي كان، فيتعسّف على النصّ محرّفًا السليم فيما قصده التصحيح، دون أن يكون ملمّا بأبسط قواعد اللغة، فإذا ما ظهر النص للناس أخِذ الكاتب بجريرةٍ لا ذنب له فيها. وأنا لا أتحدث من فراغ، فلي في هذا الباب تجربة طويلة في الصحف والدوريات ودور النشر، عانيت وما زلت أعاني من تهافت مصححيها، وكلما أعدت قراءة نص لي بعد نشره، أضحك ضحكا كالبكاء وأنا أرى اللازم متعديا والمنصوب مرفوعا والأسماء الخمسة مبنيّة… أكتب “بعضهم” مثلا فتصير عند النشر “البعض منهم”، ولو كان للمصحح إلمام بالمراجع الأساس في اللغة العربية، لما حرّف ما كتبت. يقول بشّار “حدا بعضُهم ذاتَ اليمين وبعضُهم/ شِمالاً وقَلْبي بينَهُم مُتَوَزِّعُ”، ويقول أبوالطّيب: “صَحِبَ النّاسُ قَبلَنا ذا الزّمَانَا/ وَعَنَاهُمْ مِن شأنِهِ مَا عَنَانَا/ وَتَوَلّوْا بِغُصّةٍ كُلّهُمْ مِنْـ/ ـهُ وَإنْ سَرّ بَعْضَهُمْ أحْيَانَا”. كاتب من تونس مقيم بباريس أبو بكر العيادي :: مقالات أخرى لـ أبو بكر العيادي مصححون أم محرفون؟ , 2016/10/13 دنيس كيلي يواجه العنف والعنصرية المتجددة بنص مسرحي مرعب, 2016/10/10 تونس بلد العجائب , 2016/10/06 رحلة هنري فانتان لاتور من الواقع إلى الحلم في معرض باريسي, 2016/10/03 بيوت الأدباء, 2016/09/29 أرشيف الكاتب
مشاركة :