القاهرة: الخليج خرج فن الباليه إلى النور من رحم الأوبرا، حيث كان بادئ الأمر وصلات راقصة بين فقرات الأوبرا، تقوم بها الفرق الغنائية المتجولة في نهاية ما سمي باسم القرون الوسطى في التواريخ الغربية المعروفة، لكي تريح المؤدين وتعطيهم الوقت لتغيير الملابس، ثم التقطتها الطبقة الأرستقراطية في قصور النبلاء، وتبنت فن الأوبرا إلى جانب الفنون الأخرى، وتعهدتها بالرعاية. كان من المتعارف عليه في ذلك الوقت وجود فرقة للعزف وجوقة للغناء داخل القصور، للترفيه عن الضيوف من الأمراء والنبلاء، وكان المدعوون يقومون بأداء بعض رقصات القصور البسيطة، للتسلية في أثناء الولائم والاحتفالات في إطار القواعد العامة للإتيكيت، بينما يؤدي الراقصون بعض الحركات البهلوانية بين قطرات الغناء الأوبرالي، إلى أن تطورت الخطوات وازدادت تعقيداً في عصر لويس الرابع عشر، الذي كان مولعاً بفن الرقص، ومؤدياً بارعاً له، حتى إنه لقب بلقب ملك الشمس، نسبة إلى رقصة كان يؤدي فيها دور الشمس، بينما المدعوون يؤدون دور الكواكب وهي تدور من حوله، وعندما تقدمت به السن ولم يستطع أداء الرقص اكتفى بدور المتفرج، مع رعاية الفنون، وأصدر مرسوماً ملكياً بإنشاء أول أكاديمية للرقص، وهي الأكاديمية الملكية للرقص في باريس عام 1661، ويعد هذا التاريخ هو الميلاد الحقيقي لبداية ظهور فن الباليه الكلاسيكي بالشكل الاحترافي، لكن سبقته محاولات بدأت في إيطاليا، حيث اعتادت كاترين ديميتس، وهي من إحدى عائلات النبلاء المشهورة برعايتها للفنون في إيطاليا، إبان العصور الوسطى، اعتادت تكريم كبار الضيوف بحفلات عشاء فاخرة، تتخللها فواصل من الشعر والموسيقى والرقص، تدور جميعها حول موضوع واحد، ويرجع إليها الفضل في صناعة تاريخ الباليه، عندما قدمت باليه الملكة الكوميدي في أكتوبر 1851 واستمر العرض خمس ساعات كاملة، وعرف الباليه على أنه رقص هندسي متناسق تصاحبه الآلات الموسيقية. وتوضح نيفين الكيلاني في كتابها فن الباليه مقاربات نقدية أنه مع بداية القرن الثامن عشر شهد فن الباليه نشاطاً ملحوظاً، حيث ظهرت الأسماء اللامعة العديدة التي يرجع إليها الفضل في تطوير هذا الفن، مثل ماركس كامارجون التي كانت إحدى المبدعات المهيمنات على هذا الفن، وبرعت فيه لدرجة أنها أتقنت أداء بعض الحركات الخاصة بالرجال، كما أنها أول من قامت بتقصير الملابس النسائية الطويلة والثقيلة المعروفة في ذلك الوقت، ليتسنى لها إتقان الرقص بالقدمين. وظهر بعد ذلك باليه الحركة، حيث تم وضع قواعد وشروط لازمة الاتباع عند تقديم عرض الباليه، وقد جمعت في كتاب سمّي رسائل في الرقص نشر عام 1760 ويعد مرجعاً رئيسياً للقائمين على هذا الفن، وكان من أهم إرشاداته ضرورة اعتماد عرض الباليه على نص درامي، كما حارب جمود الفكر، وطالب بطرح موضوعات جديدة، والاهتمام بجودة الموسيقى والعناصر التشكيلية في العرض وخلع الأقنعة المستخدمة في الرقص، وتدريب الراقصين محل التعبير الانفعالي، وعدم الاكتفاء بأداء الحركات في شكل بهلواني، كذلك قسم حركات الباليه إلى مجموعات وصنفها. تلا تلك المرحلة مرحلة أخرى أكثر تطوراً في تاريخ الباليه، حيث أنشئت الأكاديمية الإمبراطورية للرقص في ميلانو عام 1812 برئاسة كارل بالايزيس الذي تتلمذ على يديه العديد من الشخصيات التي أثرت في تطور فن الباليه، وكان كارل قد ألف كتابين هما بحث في فن الرقص وقوانين الرقص.. تحدث فيهما عن تدريس فن الباليه وحرفياته، كما تضمنا وصفاً دقيقاً لكيفية أداء بعض الحركات الأساسية المهمة.
مشاركة :