عزوف المثقفين عن الأندية الأدبية.. جذور الأزمة وآفاق الحل

  • 10/22/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كل الأندية الأدبية الستة عشر بلا استثناء تجأر بالشكوى من ضعف حضور المثقفين لأنشطتها وفعالياتها، وفي مقابل ذلك تكتوي بنقدهم المستمر لما تقدمه، ومعيبتهم لما تطرحه من أنشطة يرونها باردة ونمطية ومكررة الوجوه والشخصيات، وبعيدة عن روح المواكبة.. وأما هذا الاتهام المتبادل بين الطرفين، ومحصلته المنظورة في ضعف الحضور، بما يشبه العزوف الكامل، طرحت «المدينة» القضية على عدد من الأدباء والمثقفين، في سبيل تشخيص جذور الأزمة وأسبابها مع وضع الحلول الممكنة لتجاوزها مستقبلاً، بحيث تمكن الأندية الأدبية من تفعيل أنشطتها المطروحة، وجعلها قابلة للمتابعة، جديرة بالحضور، محفزة للمشاركة.. فكانت هذه الحصيلة.. سياسة متأرجحة أما القاص عبدالقادر سفر الغامدي، فيعدد أربعة أسباب يراها العوامل الحاسمة في مسألة العزوف، تتجلى في قوله: الأندية الأدبية تتفاوت في مدى قدرتها على جذب المثقف إلى حيث فعالياتها ومناشطها الأدبية والفكرية، وإذا لم نعمم فكرة أن الأندية الأدبية جميعها محفزة وجاذبة أو العكس؛ فإن أبرز أسباب عزوف المثقف الحقيقي عن ارتياد الأندية الأدبية يكمن في أمور لعل أهمها ما يأتي: سياسة بعض أعضاء مجلس إدارت النوادي الأدبية المتأرجحة بين القيام على إقصاء الصوت المخالف أو التطبيل لمن لا صوت له. نوعية البرامج النمطية السائدة التي تقدمها من حيث المادة وطريقة العرض. ما زالت بعض الأندية مصممةً على أن تكون مركزية في إقامة مناشطها وخاصة المنبرية بينما يحبذ أن تقيم تلك الفعاليات في أماكن متعددة في كل منطقة وفي أزمنة متعددة تباعًا للجمهور نوعًا وكمًّا. جثوُّ بعض أعضاء مجلس الإدارة على صدر المكان الإداري لأكثر من عقدين من الزمن ولسان حاله يقول: (ما فيه في البلد غير هالولد). هذه أبرز الأسباب وليست كلها التي تجعل المثقف يعزف وينأى بذاته عن ارتياد بعض الأندية الادبية. ولا يقف الغامدي عند عرض الأسباب، وإنما يردفها بطرح المعالجات التي يرى فيها حلاً لهذا العزف، حيث يقول: أما كيف نجعل منها محفزة وقابلة للتغيير فيكون من خلال: ضخ دماء جديدة للإدارات وعدم إصرار قدامى المحاربين فيها على البقاء حتى شعرنا أنهم أصيبوا بلعنة الكراسي تغيير الطريقة النمطية والتفكير خارج الصندوق في جعل الأندية الأدبية بيئة جاذبة لا طاردة مملة. الترحيب بكل الأصوات المغايرة لتوجهات وسياسة بعض مديري أو أعضاء مجلس إدارات بعض النوادي واحتوائهم بدلاً من إقصائهم. الذهاب إلى الآخر والبحث عنه أينما كان أو يكون لإيصال رسالة النادي بدلاً من المركزية في إقامة الأمسيات وغيرها من الندوات وخلافه. رغبة منطفئة ورغم أن الكاتب صالح محمد فيضي يرى أن الأسباب وراء العزوف كثيرة، بعضها شخصي وبعضها ثقافي، إلا إنه اكتفى برصد (6) أسباب فقط، تنظر في: قلة وضعف الأنشطة الثقافية. التركيز على جوانب معينة وإهمال بقية الاهتمامات الثقافية. الشللية واحتكار المناشط. غياب أو ضبابية الرؤيا. ضعف وسائل الاتصال بين النادي والمثقفين إلا من بعض الاجتهادات الشخصية. انطفاء الرغبة لدى المثقفين في المشاركة. أما أفق الحل لهذه الأندية الأدبية فهو برأي الغامدي يتمثل في أن تفعّل أنشطتها المطروحة، وتجعل منها أنشطة قابلة للمتابعة، جديرة بالحضور، محفزة للمشاركة من خلال: الإعلان الجيد عن الفعاليات باستخدام الوسائل الحديثة. تعزيز التواصل مع المثقفين وإظهار الاهتمام. زيادة الجوائز العينية والمادية. تنويع الفعاليات والأنشطة. استخدام قنوات البث المباشر لبعض الفعاليات. شهوة الانتقاد بداية يقول القاص محمد علي قدس: من خلال تجربتي في نادي جدة الأدبي أرى أن الفجوة بين الأندية الأدبية وأدباء ومثقفي المناطق تعود أساسًا لخلاف بين الأدباء والمثقفين ورؤساء الأندية أو أعضاء مجلس إدارتها، وثانيًا لعدم قناعة بعض الأدباء بدور الأندية وما تقدمه من نشاطات، وهؤلاء هم الذين ينتقدون الأندية باستمرار، ويجدون من يبرر لهم موقفهم في مقاطعتهم لأنديتهم رغم انتقاداتهم، والغريب أنهم أساسًا لا يعرفون أين تقع هذه الأندية وماذا تقدم. ويتابع قدس مضيفًا: وإذا أحسنا الظن فإن شريحة كبيرة من المثقفين يرون أنهم مهمّشون أساسًا، ولا يهتم بهم من قبل أنديتهم. ويختم قدس بقوله: إننا كأدباء ومثقفين مسؤولون عن دورنا، وحتمية دعمنا للأندية وإسداء النصح وتقديم الاقتراحات للمسؤولين عنها واجبة؛ لأنها تعبر عن مطالب المثقفين حتى تصبح المسؤولية بعد ذلك على الأندية الأدبية ومسؤوليها دكاكين خاصة ويشارك الفنان الفوتوغرافي عبدالرحمن الغامدي في طرح رؤيته حول القضية بقوله: أعتقد أن عزوف المثقفون عن الأندية الأدبية لثلاثة أسباب رئيسة، أولاً لفقدان الثقة فيها بسبب تراجع أثرها في الحراك الثقافي في المجتمع وتراجع تأثيرها بعد أن تحولت إلى مؤسسة (مدجنة) تقدم ما يطلبه المسؤولون. لذلك فقد الثقة فيها نخب المثقفين وابتعدوا عنها لعدم جدواها، وحلت مكانها الصالونات الثقافية التي كان أكثر مرونة في طرح الموضوعات الحية والمؤثرة وبحرية أكبر بكثير من الأندية الثقافية. كما أن الوسائل التواصل الحديثة أصبحت مجالاً حرًّا لطرح الآراء في الوقت المناسب وبالحرية التي يرغبها صاحب الفكرة ولشريحة أكبر بكثير من شريحة الأندية الأدبية والصالونات الثقافية، وهو ما جعل المثقف يستعيض بتلك الوسائل عن الأندية الأدبية ويتبعه في ذلك جمهوره. ويتابع عبدالرحمن حديثه قائلاً: السبب الأول جعل الأندية الأدبية تكرر مواضيعها وبرتابة مملة جدًّا، لا من حيث المضمون والطرح؛ بل حتى من حيث الشكل والقالب، وهذا أصاب المتابعين بالملل وعدم الحضور، وهو ما يعني قطعًا عزوف المثقف، فهو بلا جمهور لا أثر له بل لا قيمة حقيقة لطرحه مهما كان عاليًا وراقيًا. وهناك أيضًا سيطرة نفس الوجوه على معظم فعاليات الأندية الأدبية إن كان في النادي الواحد أو مجمل الأندية، ولا أدري هل يمكن تسمية ذلك بالشللية بنظام «امسك لي وأقطع لك»، «استضيفني أستضيفك»، «اطبع لي أطبع لك»، ولكل نادي وجوهه المسيطرة عليه. تكرار الوجوه والمواضيع جعل من الإندية الأدبية دكانين خاصة تبيع سلعة واحدة. قد يكون للموازنات الضعيفة دور لكنه ليس جوهريا برأيي متى ما وجدت الأفكار الحديث. ويخلص الغامدي إلى القول: يجب أن تحل الأندية الأدبية الترهل الفكري الذي يسيطر عليها نظاميًا وإداريًا حتى تستطيع مواكبة الواسائل الحديثة للعصر وتصل لكل شرائح المجتمع، والأهم متابعة قضايا المجتمع التي تشغله، والتي لم تستطع الأندية طرقها، بل تراجعت عمّا كانت عليه في بدايات النشأة وحتى سنوات مضت.

مشاركة :