قلق مشوب بالغضب. وتوجس لا يخلو من خوف. وأسئلة تبحث عن إجابات غير متوافرة ولا يتوقع أن تتوافر في المستقبل القريب. وعلى رغم ازدحام الشوارع المعتاد، ومضي مظاهر الحياة قدماً كما هي الحال المألوفة، فإن المشاعر متأججة والتوجسات متصاعدة، والحلول الشارعية المتاحة متضاربة، وإن كان معظمها يتعامل مع الجاني باعتباره معروفاً ومكشوفاً. ما كشفه بيان ما يسمى بـ «لواء الثورة» دفع قطاعات عريضة من المصريين إلى التعامل مع اغتيال العميد أركان حرب قائد الفرقة التاسعة مدرعات عادل رجائي باعتباره جريمة «إخوانية» من دون أدنى شك. سائق الأجرة يتساءل عن «سر السكوت على الإخوان، رغم إننا نعرفهم وممكن نبلغ عنهم». وكبار سن على المقهى يترحمون على أيام وزير الداخلية الراحل زكي بدر الملقب بـ «الأعنف» في عصر الرئيس السابق حسني مبارك، متمنين «استنساخه» لمواجهة الإرهاب المتحور، وبعدها تبدأ الدولة في علاج مسببات الإرهاب. وربات بيوت في السوبرماركت المشارك في حملة «الشعب يأمر» لتخفيض أسعار الشاي والسكر والزيت يختلفن في شأن الطريقة المثلى للتعامل مع القتلة وهل هي المحاكم العسكرية أم فرض الطوارئ أم «إعدام كل من يملأون السجون من قيادات الإرهاب بأكل ومرعى وقلة صنعة»، وفق رأي إحداهن. وعلى رغم الاتهامات الموجهة إلى المذيع المثير للجدل الذي يكرر دعواته المستمرة للدولة إلى «انتهاك حقوق الإنسان حتى يتم دحر الإرهاب»، فإن المزاج العام في الشارع بات أكثر تطرفاً. وحين طالب ليل أول من أمس بمحاكمات عسكرية دشن لها هاشتاغ «نعم للمحاكمات العسكرية»، قبل أن يقول انه سيشتري سلاحاً آلياً «لأن مينفعش معايا مسدس، واللي هيقرب مني هاضربه قبل ما يقتلني»، لم تكن مطالبته أولى الدعوات إلى حلول جذرية/ عنيفة، وعلاجات جراحية/دموية، ومواجهات حقيقية/شرسة. شراسة الأفكار الشعبية المتداولة بين كثيرين تعبر عن خوف كبير وغضب أكبر من توغل الإرهاب واستهداف شخصيات بعينها أو العودة للتفجيرات والتفخيخات المتفرقة التي شهدتها البلاد في أعقاب فض اعتصامي أنصار الرئيس السابق محمد مرسي في العام 2013. وإذا كان الميل إلى الأفكار الجذرية التي ترجح كفة الحلول التي يراها بعضهم بالغة الخشونة أو مفرطة في الشراسة سمة من سمات ردود الفعل عقب كل حادث إرهابي مؤثر عادة تخف حدته بعد مضي فترة من الزمن، إلا أن رد الفعل الجانح إلى حلول جراحية جذرية تضمن اجتثاث أصحاب الفكر الإرهابي بدا أكثر وضوحاً هذه المرة. فبين مقترح لتنفيذ «مذبحة قلعة» كتلك التي قام بها والي مصر محمد علي ليتخلص من المماليك في القرن التاسع عشر، ومطالبة بتسريع محاكمات القيادات وإعدام من ينغبي إعدامه من دون نقض أو رد أو استشعار حرج اتباعاً لمبدأ «اضرب المربوط يخاف السايب»، تدور الدوائر الشعبية الغاضبة التي تجد نفسها عائدة إلى تأييد الرئيس والنظام تأييداً غير مشروط إلى حين زوال الغمة. حتى الكادحون والكادحات والمطحونون والمطحونات وجدوا أنفسهم مضطرين إلى إعادة ترتيب الأولويات. «كان الأولى بنظام الانقلاب أن يؤمّن رجاله بدل اغتيال الشرفاء. وداعاً الشهيد الدكتور محمد كمال»، كتب أحدهم على صفحته على «فايسبوك» مذيلاً بأصابع «رابعة» الأربعة، وهي الكلمات التي تعكس فكراً يرى في الدولة خطراً يجب مواجهته، وفي الجيش عدواً يتحتم اغتياله، وفي مؤيدي هؤلاء وأولئك إما كفاراً أو عبيداً أو مغيبين، لدرجة تجعل بعضهم يصدق أن الجيش يقتل رجاله للمتاجرة بهم. مقال أورده أحد أذرع الجماعة على الشبكة العنكبوتية جاء فيه أن «عمليات الاغتيال في شكل عام تصل إلى تحقيق مكسب سياسي لجهة ما على حساب أخرى. وأحد الاحتمالات هو علم إحدى الجهات السيادية في البلاد بتلك العملية، والمساهمة في إعدادها، أو تسهيلها، للثأر من جهات أخرى». الدق على أوتار صراع بين أجنحة، أو منافسة بين جهات، أو احتقان بين سلطات هو أشهر أنواع الدق شيوعاً بين جماعات بعينها، وذلك لنشر أجواء من انعدام الثقة والقلق. هذه الأوتار تبدو واضحة في تغريدات وتدوينات ومقالات تزخر بها الصفحات العنكبوتية التي تدفع في الوقت نفسه في اتجاه «ثورة الغلابة» يوم 11 المقبل. وتترابط الخيوط وتتقارب الرؤى في مناشدات هنا وتحذيرات هناك من تدوينة على صفحة داعية إلى «ثورة الغلابة» تقول: «حذار أن تخدعك حكاية الاغتيالات وتنسيك ثورة الغلابة يوم 11/11 لإعادة الحق إلى أصحابه والجيش إلى ثكناته». ويرد عليه زائر متطفل على الصفحة: «الاغتيال من تخطيط الدولة، والثورة الأمل في العودة، والشعب يريد مصر بلا إرهاب وفي أقوال أخرى مصر بلا إخوان». وتأتي ردود سكان الصفحة الأصليين شاتمة منددة بالجيش و «العبيد» و «المذلولين»، ما يؤجج حنق المدافعين عن الجيش والكارهين للجماعات والغاضبين من جراء الاغتيالات.
مشاركة :