تسلل 100 مقاتل على الأقل إلى كركوك في الساعات الأولى من صباح الجمعة، مسلحين برشاشات وقذائف صاروخية وسترات ملغومة ورسالة مفادها أن تنظيم «داعش»، سيطر على المدينة. أعلنت مكبرات الصوت في المساجد هذه الرسالة، بينما شن المتشددون هجومهم. يقول مسؤولون أمنيون عراقيون، إنه بينما شق المتشددون طريقهم بالمدينة في هجوم سافر ومعقد، كان 99 من المدنيين وأفراد قوات الأمن قد لاقوا حتفهم، وكان 63 من المتشددين في المشرحة. يظهر حجم العملية مدى صعوبة المعركة التي ستندلع من أجل استعادة الموصل، ويشير إلى أن التنظيم المتشدد لا يزال قادرا على تقويض الأمن في مختلف أنحاء البلاد حتى لو سقط معقله في الشمال. وكانت هذه العملية هي الأكبر بين عدة عمليات نفذها تنظيم «داعش»، بهدف الإلهاء لعرقلة التقدم صوب معقله بشمال البلاد. تشير روايات جمعتها «رويترز» من السكان والشرطة ومسؤولين بأجهزة الأمن والمخابرات، إلى أن الهجوم نفذته عناصر على درجة عالية من التدريب والاستعداد لقيت دعما من داخل كركوك، وهو الأمر الذي يثير قلق الحكومة. وقال رانج طالباني المسؤول الكبير بالمخابرات الكردية، «كان تنفيذه (الهجوم) بسهولة شديدة مفاجأة». على غرار هجمات «داعش» على باريس العام الماضي، استهدفت العملية على ما يبدو نشر الفوضى والخوف وليس السيطرة على أراض. وعلى الرغم من أن أشرس المعارك كانت انتهت بحلول ليل الجمعة، فإن الاشتباكات استمرت ليومين، وما زال المسؤولون يبحثون عن وحدات «داعش» بالمدينة. وتمثل واجهتا فندقين غطاهما السواد وحملتا آثار أعيرة نارية علامة واضحة على ضراوة المعركة. ويقع الفندقان قرب مبنى محافظة كركوك الذي كان أحد أهداف الهجوم. لا تزال رائحة الدخان والمتفجرات موجودة. مقاتلون «محترفون» .. تقع كركوك على مسافة 100 كيلومتر جنوب شرقي الموصل على مقربة من حقول النفط التي توجد بها معظم احتياطات النفط العراقية الهائلة. كما تقع قرب إقليم كردستان شبه المستقبل بشمال العراق، وتسيطر عليها القوات الكردية منذ تقهقر الجيش العراقي في مواجهة تقدم متشددي «داعش» عام 2014. وقع الهجوم بعد أربعة أيام من انطلاق حملة على «داعش» في الموصل، تشارك فيها قوات البشمركة الكردية والقوات العراقية بالإضافة إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. يقول مسؤولون أمنيون عراقيون، إن المتشددين يبدون مدربين جيدا على القتال في المدن، وهو مؤشر على أن المعركة من أجل استعادة الموصل ثاني أكبر مدن العراق، ستكون طويلة ودموية. وقال هلو نجاة حمزة قائد قوة الأسايش، وهي قوة للأمن والمخابرات في كركوك، «هؤلاء أكثر مقاتلين احترافية رأيتهم منذ 2003». بعد ظهر الأحد، أي بعد يومين ونصف اليوم، فجر اثنان من القناصة سترتيهما الناسفتين خلال تبادل كثيف لإطلاق النار مع قوات الأمن بمدرسة ابتدائية. لكن لا يوجد أي مسؤول محلي مستعد لقول، إن الهجوم انتهى تماما. وقال مسؤول من كركوك طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، «ما زلنا نبحث عنهم». لم تكن العملية مرتجلة فقد أظهر مقطع فيديو عثر عليه على هاتف سامسونج مع جثة مقاتل لقطات لأهداف في أجزاء مختلفة من المدينة صورت قبل الهجوم. وقال وزير المالية والخارجية السابق هوشيار زيباري، وهو كردي، إن العملية انطوت على الكثير من التحضير. معارك ضارية .. بدأت العملية في نحو الثالثة من صباح الجمعة عندما وصل المقاتلون في شاحنات خفيفة وانتشروا على الأطراف الجنوبية للمدينة. وقسمت المجموعة إلى 20 فريقا يضم كل منها خمسة أعضاء وانتشروا في أنحاء المدينة راجلين. وعمل العديد من الفرق معا لمهاجمة هدفين في البداية، قاعدة للأسايش ومركز شرطة في جنوب كركوك. واندلعت معركة ضارية في الموقعين. وقال حمزة، «بدوا متوحشين». ووصف المقاتلين بأن لهم لحى طويلة «ويرتدون ملابس أفغانية»، بيد أن مسؤولي أمن عراقيين يقولون، إنهم لم يجدوا أية وثائق مع المقاتلين الذين لقوا حتفهم، مما يشير إلى أنهم مقاتلون أجانب. وقال السكان المحليون الذين واجهوا المقاتلين، إنهم تحدثوا لهجة عراقية محلية. وفي نحو الرابعة صباحا وصل فريقان من القناصة إلى وسط المدينة وانقسما لتتوجه مجموعة إلى سطح فندق الصنوبر وتوجهت الأخرى إلى فندق دار السلام في الجهة المقابلة من الشارع. وكان كلا الفندقين مغلقا للإصلاح. وكان الهدف على بعد بضع مئات من الأمتار في الجهة المقابلة من مبنى محافظة كركوك. وفي نفس التوقيت تقريبا اقتحم المقاتلون طريقهم منزلين في حي مجاور مطالبين السكان بإيوائهم وبمفاتيح سياراتهم. وتظهر لقطات من تسجيل مصور من أحد المنزلين المقاتلين في سراويل وقمصان من التي يرتديها سكان جنوب آسيا ويحملون بنادق آلية وسلاح «آر.بي.جي»، والعديد من المقاطع المصورة للذخيرة. ويُرى مقاتل وهو يركض نحو بداية الشارع بجانب فندق الصنوبر ويطلق نيران سلاح «آر.بي.جي» على مبنى المحافظة الذي تحول إلى كرة من اللهب والشرر. وعلى بعد بضعة مبان في مستشفى كركوك العام سمع الشرطي صميم حمزة انفجارات ونيران بنادق آلية. وقال صميم الذي فقد خمسة من زملائه في الهجوم، «لقد كان واضحا أن هذا ليس هجوما عاديا». خلايا نائمة .. وبينما كانت تنتشر الاشتباكات في أنحاء كركوك هاجم أربعة من مسلحي «داعش» كانوا يرتدون سترات ناسفة، محطة للكهرباء في بلدة الدبس على بعد 30 كيلومترا. وقتل ما لا يقل عن 11 شخصا بينهم ثلاثة مهندسين إيرانيين كانوا يعملون في المحطة. وبالعودة إلى كركوك قال مسؤولو أمن عراقيون ومسؤول عسكري أمريكي، إن الخلايا النائمة ساعدت المقاتلين. وأبلغ السكان عن رؤية سيارات تسير قرب فندق الصنوبر خلال الاشتباكات لإمداد المقاتلين بالذخيرة. وبحلول الفجر ترددت أصوات إطلاق النار والانفجارات في أنحاء المدينة، بينما خاض المتشددون معارك في الشوارع مع قوات الأمن وأصاب القناصة الأهداف. وقال حمزة، «كان الهدف إيجاد حالة من الفوضى هنا. ظنوا أن ذلك سيقلص عدد المقاتلين الذين سيرسلون إلى الموصل». ومع اتضاح نطاق الهجوم طلب مسؤولو الأمن التعزيزات حيث جرى استدعاء ما يصل إلى ثلاثة آلاف من مقاتلي البشمركة من أربيل والسليمانية. وقال دبلوماسي غربي على دراية بالعملية، إن الجيش نفذ أيضا غارات جوية. واستمر القتال الضاري لعدة ساعات حتى بعد وصول التعزيزات. ولم ينته تبادل إطلاق النار في مبنى الأسايش إلا في الخامسة من مساء الجمعة بعد 14 ساعة تقريبا من بدايته. وأظهرت لقطات تلفزيونية آثار الحريق في السماء والدخان يتصاعد من وسط المدينة ليل الجمعة. واستمرت اشتباكات على نحو متقطع يومي السبت والأحد. وبالنسبة لمسؤولي الأمن الذين يحاولون منع هجوم آخر كان أكبر مبعث للقلق هو حجم الدعم داخل المدينة لتنظيم «داعش». وقال حمزة، «هناك خلايا نائمة تعاونت معهم. كانوا يضمرون عداء شديدا للأكراد والشيعة والحكومة المركزية».
مشاركة :