بمعظم البحوث والدراسات المتمحورة حول علاقة الإعلام بالأخلاق، نجد أن ثمة عناصر خمسة هي التي غالبا ما تؤسس للخيط الناظم لقضايا ذات العلاقة وطروحاتها: العنصر الأول ويكمن في التساؤل في دور الإعلام، كخطاب وكرسالة، إذا لم يكن في تغيير الواقع بهذا الاتجاه أو ذاك، فعلى الأقل الإسهام في إصلاحه. ويبدو أن تفكيك عناصر هذا التساؤل يجب أن ينطلق من وظيفة الإعلام، من مكانته ومن وضعه الاعتباري كمدخل أساس لملامسة مدى أثره وتأثيره في الفرد أو في الجماعة. إذ لو كان ثمة من تأثير، وبالتالي من دور للإعلام، فلن يكون إلا في إطار تركيبة من عدة عناصر، لا يغدو الإعلام معها إلا عنصرا ضمن باقي العناصر. العنصر الثاني ويتمثل في التجاذبات العميقة، الجلية والمضمرة، التي يخضع لها الإعلام في علاقته بالسياسي. إن عنصر التجاذب الأساسي، في هذا الباب، لا يكمن في وظيفة ودور كلا المستويين، الإعلامي والسياسي، بقدر ما يكمن في جنوح هذا الأخير لاستصدار استقلالية الأول وتحويله إلى أداة لخدمة أجندته بهذا الشكل أو ذاك. قد لا يكون ثمة تنافر من نوع ما بين المستويين، على الأقل في الظروف العادية، لكن هذا التنافر سرعان ما يبلغ مداه عندما تظهر الحاجة إلى توظيف الإعلامي (والإعلام بوجه عام) كمكون من مكونات الإيديولوجيا التي قد يدفع بها هذا الفاعل السياسي أو ذاك. العنصر الثالث ويتمحور حول البعد الإيديولوجي الذي نلمسه بالخطاب الإعلامي العام، وتوجهه المطرد بجهة تنميط صورة الأفراد والجماعات، ليس لمجرد غاية التنميط، بل لإدراجها ضمن مكونات السوق الاستهلاكي، الذي لا يحبذ تباين المواصفات، بقدر ما يراهن على بناء أو إعادة بناء فردانية يعود المحك في سلوكها للسوق وللوظيفة الاستهلاكية التي تترتب عنه. إن وسائل الإعلام (والاتصال أيضا) إنما تعتبر الوعاء التكنولوجي الذي تقتنيه الإيديولوجيا وتتحرك من بين ظهرانيه. صحيح أن الإعلام، بتقنياته الهائلة وطبيعة الخطاب الذي يروج، يساهم بقوة في التحولات الكبرى التي تشهدها السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو الفن، لكنه قادر بالآن ذاته على تسطيح كل هذه المستويات وتقويض القيم التي للمستويات إياها مصلحة في تقديمها والدفع بها. العنصر الرابع ويتعلق بإشكالية الإعلام والأخلاق. لا يهم التساؤل هنا، الجانب الأخلاقي في الممارسة الإعلامية، أو منسوب القيم التي من المفروض أن تتضمن في الرسالة، بقدر ما يهم الإطار الأخلاقي العام الذي لا يمكن لذات الممارسة أو لذات الرسالة أن تقوم وتستقيم في غيابه. إن الطبيعة الآنية والسريعة التي تخضع لها عملية إنتاج وتقديم المعلومة، في ظل عولمة تقنو/اقتصادية جارفة، لا تترك للأخلاق مجالا للفعل، بل تراها تضيق من مداها على محك الربحية أو السبق الصحفي أو توسيع هامش المتابعة أو استقطاب أكبر نسبة من المتتبعين. صحيح أن المجال الإعلامي بحاجة، والحالة هاته، إلى مواثيق تحدد للمهنة أخلاقيات، بما هي التزامات وحقوق، لكنه بحاجة لأن يكون ذلك توجيهيا، ومن داخل بنيات المجال ذاتهوإلا لتحولت الأخلاقيات إياها إلى قوانين زاجرة، ورقابة مضيقة واستصدارا لهامشي المبادرة والفعل. أما العنصر الخامس فيحيل على البعد الأخلاقي لما يسمى منذ مدة بمجتمع الإعلام. إن التساؤل في هذا البعد، في ظل مجتمع الإعلام إنما هو من التساؤل في طبيعة الأخلاق (المهنية والقيمية) التي من المفروض أن تبني لهذا المجتمع أو تواكبه بها، ومن التساؤل أيضا في طبيعة العلاقة بين الإعلام والإيديولوجيا والأخلاق. لنا عودة للموضوع.
مشاركة :