كان طالباً مجتهداً، محباً لوطنه، على الطريقة التقليدية، طريقة الطيبين، تعلم وعمل، بجد واجتهاد إيماناً بمبادئ أراد تطبيقها على غيره فطبقها على نفسه، دافع عن حقوق المستضعفين والأقليات رغم انه ليس منهم، هو دائماً يقف في المنتصف، ويبذل جهده للتقدم إلى الأمام، خطؤه الوحيد أنه لا يلتفت خلفه ما يجعل الذين وراءه يجدون سهولة في تجاوزه والتقدم عليه في نسيج اجتماعي ونظام سياسي قائم على مبدأ «طب علشان خاطري نطي يا شيخة سبع نطات». صاحبنا المجتهد والمجاهد في عمله يعمل بجد واجتهاد في منتصف الهرم الإداري المقلوب، والذي يطمح أن يصل يوماً إلى قمته، وفقاً لمبادئ العدالة وتكافؤ الفرص التي يؤمن بها، ويذهب طموحه إلى الحلم بتعديل الهرم المقلوب إلى ذات صباح شهدت فيه إدارته الحكومية إفطاراً مكوناً من «ثلاثة عصير واثنين فلافل وواحد مدير..». أي والله هذا ما حصل. ذهب إلى مكتبه، كعادته، بروتين ملَّ الروتين منه، ليفاجأ بغريب في مكتبه فسأله: من تكون؟ ليجد الاجابة الجاهزة: أنا مديرك يا فتى فانتفض الفتى وصاح بصوته الجهوري في أروقة الوزارة: يا غلام من جاء بهذا المدير، رد الغلام: إنه الوكيل، ذهب إلى الوكيل ليسأله عن السبب لعل تقصيراً بدر منه يستدعي معاقبته بتعيين من هو أكفأ منه ليرأسه ففوجئ بالرد بل انه لا يوازي قطرة في بحر علمك وعملك ولم يكن خياري تعيينه على الإطلاق ولكنني عبد المأمور أمرني الوزير ففعلت... طرق باب الوزير فرحب به وأثنى على عمله وهمس في أذنه لو كنت أملك القرار لكنت أنت المدير والمدير الجديد هذا «ما أسرحه مع صخلتين» (جملة كويتية تستخدم للدلالة عن الجهل) تعجب حتى عرف السبب و«إذا عرف السبب بطل العجب» لقد فرض علي بسلطة نائب أخشى أن يستجوبني إن لم أستجب وفي وزارتي من الفساد الذي تعرفه ما يطير رأسي ورؤوساً كثيرة معي وأنت أدرى بذلك فداويتها بما كان هو الداء أي عالجت الفساد بالفساد. استوعب الفتى الدرس، صار شريكاً في الفساد، بعد أن أضاعوه وأي فتى أضاعوا، أدرك أن الطيبين راحوا، وراح معهم، وبدلاً من تعديل الهرم المقلوب انقلب معه وتشقلب وادخر كل جهده الذي يبذله في العمل وبذله للوصول إلى النائب إياه الذي فرضه على رؤسائه فترقى ولم يرتقِ بل تدنى في مبادئه مع ارتفاعه في السلم الوظيفي، كسب كل شيء في مقابل خسارة وحيدة احترام المسؤول، وهو أيضاً لا يحترمه، اختلط حابل الفساد بنابله عندما نخر بمصلحيه لم يعد المطلوب تغيير النائب ولا الوزير ولا الوكيل ولا المدير صار المطلوب تغيير شعب بأكمله اقتنع أن من جد لن يجد حتى يسير على صراط غير مستقيم ليصل ثم نقول له: صوتك أمانة... فهل صوتي وصل؟ reemalmee@
مشاركة :