روسيا والغرب يشتركان في موقف واحد فكلاهما لا يعنيهما أمر السوريين. قال رئيس المجلس الوطني السوري الأسبق برهان غليون: إنه لا يوجد حسم عسكري في الصراع السوري وإلا لانفتح الأمر على حرب عالمية. وأكد غليون خلال حديثه لـ «الشرق»: أن الروس والإيرانيين الذين يخوضون الحرب لمصالحهم القومية يدركون ذلك ويريدون أن يستغلوا الفترة الأخيرة المتبقية من ولاية أوباما لتحقيق أكبر مكاسب لتصنيفها في أي مفاوضات محتملة مقبلة، ولذلك فهم مستشرسون في انتزاع مواقع جديدة في حلب، لكنهم عاجزون عن تحقيق أي نصر حاسم وكلما أمعنوا في الأطماع مددوا أجل الحرب وهددوا بتحويل سوريا إلى أفغانستان وفي مخاطر الغرق في حرب طويلة سوف تستنزفها. أعتقد أنه لا يمكن تبين الخيارات الحقيقية للأطراف قبل مجيء القيادة الأمريكية الجديدة. وأضاف أن مايجري على الساحة السورية من أحداث لم يتطور كثيراً حتى وإن بدا للبعض أن هناك متغيرات وأحداثاً متسارعة، الوضع نفسه منذ ثلاث سنوات ولا يزال. الانتقام من الغرب وأضاف: أذكر أنه في اللقاء الأول الذي جمعني، كرئيس للمجلس الوطني السوري، في نوفمبر 2011 مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خرجت، بعد أقل من ساعتين بقليل، باستنتاج واحدٍ لم يتغير حتى الآن، هو أنه ليس لموقف روسيا في النزاع السوري الراهن هدفٌ أكبر من الانتقام من الغرب الذي قوّض مواقع موسكو في العراق وليبيا، ومن قبل في أفغانستان وأوروبا الشرقية، وأن موسكو مصمّمة على أن تحوّل الأزمة السورية إلى مدخلٍ لقلب الطاولة على الغرب، وإحباط خططه ومعاقبته على سياسات العزل والتهميش والاستخاف التي عاملها بها خلال عقودٍ ثلاثة، بعد زوال الاتحاد السوفييتي. ولهذا، كان ردّي على تساؤل الوزراء الغربيين الذين كنت ألتقيهم في إطار تجمع أصدقاء الشعب السوري، بشأن ما يريده الروس، وفيما إذا حققت زيارتي أي نتائج، أن موسكو ليست معنيةً بسوريا، إلا بمقدار ما تشكّل بالنسبة لها مناسبةً لإعلان تمرّدها على الغرب، وإظهار قدرتها منذ الآن على مقاومة مخططاته، والضغط عليه، لتأكيد وجودها قوّة عظمى، واستعادة مركزها الدولي، واستعادة الاعتراف بمكانتها العالمية. جميع هذه المطالب ليست بيدنا، وإنما بيد الغرب. لذلك أيضاً لا يستطيع الروس أن يروا فينا محاورين جديين، ولا مفاوضين، إنما رسل لنقل رسائلهم إلى الغرب، ولا تعنيهم حججنا ولا قضيتنا، ولا يهمهم مصير سوريا، ولا مصير الشعب السوري. وهذا يعني أن على أصدقائنا الغربيين، إذا أرادوا أن يساعدونا ويدعموا قضيتنا، ألا يكتفوا بالضغوط والعقوبات على موسكو، وإنما عليهم أن يسعوا إلى فتح حوارٍ مع روسيا، ليس من أجل تقديم تنازلاتٍ مجانية لها في القضايا العالقة التي تهمها في أوكرانيا والقرم ودول البلطيق والدرع الصاروخي وغيرها. ولكن، من أجل إعادة الاعتبار الدولي لها، وحفظ كرامتها وكبح جماح روح الانتقام التي تحرّك سياستها، والتي برزت في مسألة أوكرانيا، وانتهت بإلحاق القرم، وها هي تقود إلى تدمير سوريا. التخلي عن عزل موسكو وقال غيلون وكنت أعتقد، بالفعل، أنه من دون تخلي الغرب عن سياسة عزل موسكو وتهميشها، والسعي، بالعكس، إلى استيعابها، لن يكون من الممكن دفعها إلى تعديل سياستها، وتبني موقف إيجابي لصالح التعاون من أجل السلام والأمن والاستقرار الدولي. لكنني، عندما كنت أتساءل، أمام زملائي الغربيين، عمّا إذا كان حوارهم مع موسكو ممكناً، كان الجواب أنه مستحيل: الغرب لن يفاوض روسيا على أي موضوع من هذه المواضيع. لم يتغيّر هذا الوضع حتى الآن، على الرغم من المظاهر. ليس لدى الغرب أي استعداد لفتح مفاوضات من أي نوعٍ مع موسكو، في كل ما يتعلق بالمصالح الغربية في أوروبا بشكل خاص، فهو هنا متشبثٌ إلى أبعد الحدود بعنفوانه وعنجهيته، لكن، بعد سنواتٍ من الصراع المرير في سوريا، نجد اليوم وزراء خارجية الغرب، وفي مقدمتهم الوزير جون كيري، يجرون وراء سيرغي لافروف، من عاصمةٍ إلى عاصمة، على أمل أن يحصلوا منه على تنازلٍ، مهما كان جزئياً، يفتح ثغرةً في الوضع المأساوي المعدوم الأفق القائم في سوريا، والذي أغلقه الفيتو الروسي بشكلٍ لا سابق له، ضارباً عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية القانونية والأخلاقية، في وقتٍ يفرض فيه الوزير الروسي كل يوم، وفي كل جلسةٍ، شروطه المذلة بحق واشنطن التي كانت تدّعي، وتتصرّف بالفعل حتى مجيء باراك أوباما، كقائدة للعالم. أمريكا مكتوفة اليدين وتسائل غليون كيف وصل الوضع إلى هذه الحال، وأصبحت الولايات المتحدة التي لا تزال، على الرغم من كل ما أصابها من عناء، تمثل أعظم قوة عسكرية واقتصادية وسياسية وتقنية وعلمية في التاريخ، تتسوّل حلاً للأزمة السورية لدى دولةٍ لم تكن تعيرها، منذ سنوات قليلة، أي اعتبار، وترفض حتى محاورتها؟ وكيف وجدت الولايات المتحدة نفسها تقف مكتوفة اليدين، وعاجزةً عن القيام بأي فعل أو رد فعل، وهي القوة الأعظم، أمام ما يجري من حرب إبادةٍ يوميةٍ بحق مدنيين، ليس لهم من ذنب سوى انتمائهم إلى شعبٍ تجرأ على المطالبة بحكومةٍ تمثله، وبالحرية التي بنت عليها الولايات المتحدة شرعية نفوذها العالمي، وتدخلاتها التي لم تتوقف في مصائر الشعوب ومستقبلها؟ ليس في هذا أي سر. إنه يعبِّر ببساطةٍ عن الإخفاق العميق الذي منيت به السياسة الغربية، منذ بداية الأزمة السورية. لا ينجم هذا الإخفاق عن انتزاع روسيا مكاسب استثنائية في سوريا، ولا عن فشل الغرب في تحقيق أهدافه فيها. روسيا والغرب وأوضح غليون أن روسيا والغرب يشتركان في موقفٍ واحدٍ، هو أن كليهما لا يعنيهما أمر سوريا والسوريين. لكن، بينما تسعى روسيا، بإغلاق فرص السلام في سوريا، إلى إحراج الغرب وتركيعه، وإجباره على فتح مفاوضاتٍ حول ملفاتها الرئيسة المعلقة معه، يحاول الغرب أن ينأى بنفسه بأي ثمن عن الصراع، وهو مستعدٌّ، في سبيل ذلك، لتوكيل موسكو بمهمة التوصل إلى حلٍّ في سوريا، لكنه غير مستعد، مهما كان الثمن، خصوصاً عندما يكون من دم السوريين، لتقديم أي تنازلٍ يمسّ بمصالحه وهيمنته العالمية. وبينما ينتظر الغرب للتهرّب من المفاوضات مع موسكو غرق روسيا فيما يسميه المستنقع السوري، تراهن موسكو على التقويض المستمر لصدقية الغرب الاستراتيجية والسياسية والأخلاقية الذي يتفاقم كل يوم مع تجلي عجز الغرب عن القيام بأي فعل، وفقدانه أي خياراتٍ في سوريا. وما من شكٍّ في أن روسيا لا تزال الرابحة في هذه المناورة الكبرى، بمقدار ما نجحت في تجنيب نفسها، بنجاحها في إخضاع إيران وحشودها لجدول أعمالها، الانخراط برياً، وبشكل واسع، في الحرب، بينما يكاد الغرب يفقد عناصر قوته، وتسيده السياسية والرمزية، فالعجز عن استخدام القوة مع توفرها يلحق الضرر بصدقية الدول أكثر بكثير من الضرر الناجم عن الافتقار إليها. امتصاص النقمة الروسية وأكد غليون أن الغرب أخطأ في تهميشه لروسيا، وإغلاق الباب في وجهها، والسعي إلى ضرب الحصار من حولها عندما كان ينبغي فتح حوار إيجابي لضمها إلى المنظومة الدولية، وتشجيعها على لعب دور إيجابي فيها، بعد زوال الاتحاد السوفييتي. والآن، يخطئ بشكل أكبر، عندما يركع تحت أقدامها، ويقبل التفاوض معها في شروطٍ مذلةٍ حول سوريا التي لم تعد أزمةً محليةً، وإنما أصبحت محكّاً للصراع على الهيمنة والمبادئ الدولية. وكان الأولى به أن يرفض أي حوارٍ ما لم تلتزم روسيا وحليفتها الإيرانية بالمواثيق والاتفاقات الدولية، وتتوقف عن القصف الأعمى للمدنيين، وتجويع المدن وحصارها، وترويع سكانها وتهجيرهم. وقال إن: الغرب يحاول أن يمتصّ نقمة الروس على سياساته الرامية إلى عزلهم، وتهميشهم بتعويضهم في سوريا، حيث لا يعتقد أن له مصالح استراتيجية مهمة. وهذا ما فعله أيضاً مع إيران التي فاوض معها على الملف النووي الذي يهمه، لكنه أطلق يدها في الإقليم، وتركها تذرع الخراب والدمار، من دون أن يرميها بحجر، وهو ما فعله كذلك مع نظام الأسد نفسه، حين أباح له القتل بالجملة، ومن دون رادعٍ ولا خوف من عقاب، لمجرد قبوله بتسليم أسلحته الكيماوية. باختصار، لا يقبل الغرب التفاوض على مصالح تخصه، لكنه مستعد للتنازل بأريحيةٍ بالغةٍ في كل ما يتعلق بحيوات الآخرين ومصالحهم ومستقبل أبنائهم، فسواء ذهبت سوريا، أم بقيت على قيد الحياة، لن يضير ذلك الغرب في شيء. سوف يتعامل على كل الأحوال مع من يرثها، وفي أسوأ الحالات يمكنه أن يمحوها ببساطةٍ من الذاكرة.
مشاركة :