الأدهى والأمر هو أن شاعرا في حجم مفدي زكريا الذي هو شاعر حركة التحرر الوطني قد عومل بالجفاء مرارا من طرف المسؤولين الجزائريين وفي مقدمتهم الرئيس هواري بومدين. العربأزراج عمر [نُشرفي2016/10/28، العدد: 10438، ص(15)] شعرت بالحزن عندما قرأت مقالة زميلنا الكاتب التونسي أبوبكر العيادي المنشورة مؤخرا في “العرب” عن هدم بيت الشاعر أبوالقاسم الشابي في توزر بتونس، علما وأن هذا البيت هو عنوان كبير لتراث هذا الشاعر العبقري وللشعب التونسي معا وتاريخه الثقافي والحضاري. وفي الحقيقة فإن الشابي ليس الضحية الوحيدة في بلداننا التي تتنكر للفكر والآداب والفنون وتنظر إلى المبدعين نظرة دونية باستمرار. ففي الجزائر لم تعلق إلى يومنا هذا صورة أي شاعر، أو روائي، أو مفكر، أو مسرحي، أو فنان تشكيلي جزائري في المؤسسات الثقافية بدءا من وزارة الثقافة وانتهاء بمديرياتها ومسارحها ونواديها الثقافية المشلولة في الجزائر العميقة. والأدهى والأمر هو أن شاعرا في حجم مفدي زكريا الذي هو شاعر حركة التحرر الوطني قد عومل بالجفاء مرارا من طرف المسؤولين الجزائريين وفي مقدمتهم الرئيس هواري بومدين، الذي كان يدرس في الزيتونة وجامع الأزهر عندما كان شاعرنا يكافح مع المجاهدين من أجل تحرير الوطن من قيود الاحتلال الفرنسي ويكتب قصائده بدمه وأظفاره وهو يصيح بأعلى صوته “تحيا الجزائر” في ظلمات سجن ساركاجي الشهير. وإلى حد الآن لا يوجد تمثال لهذا الشاعر في ساحة هذا السجن أو في مكان آخر. والعجيب والغريب هو أنه لم تسند له أي مهمة ثقافية عليا في جزائر الاستقلال من طرف الحكومات التي عاصرها، وقد أنقذه من الفقر كل من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة والملك المغربي الحسن الثاني. أما الروائي الجزائري العالمي محمد ديب فقد عاش ومات غريبا في فرنسا، ولم يكن له بيت سوى ذلك الذي منحته له إحدى بلديات العاصمة باريس، حيث أن المسؤولين الجزائريين على الثقافة لم يفعلوا شيئا يذكر لنقل رفاته إلى وطنه على الأقل أو تحويل منزله إلى متحف يزار. ومن الحكايات المؤلمة عن التنكّر للمبدعين والمفكرين وللأمكنة التي عاشوا فيها تلك الحكاية التي نقلت على لسان الفيلسوف جاك دريدا الذي كان لوقت طويل يعتبر نفسه جزائريا، حيث أصر مرارا، خلال الجواب على أسئلة الإعلاميين والمفكرين، على أن هويته جزائرية إلى أن قام بزيارة إلى الجزائر وأراد بالمناسبة أن يزور منزله الذي تركه وراءه في منطقة الأبيار بالعاصمة الجزائرية حين غادر إلى فرنسا لمواصلة دراسته. وعندما طرق باب منزله خرج إليه شخص جزائري وسأله عن مراده، فأجابه دريدا بأنه يريد فقط إلقاء نظرة على غرف بيته الذي عاش فيه طفولته حتى بلغ سن الشباب، وهنا رفض ذلك الجزائري تحقيق رغبة فيلسوفنا وعندما ألح في طلبه وأعلمه بأن ذلك ضروري لاستعادة الذكريات وتوظيفها في مشروع كتابة سيرته الذاتية والفلسفية، في تلك اللحظات حدق في وجهه بغضب ثم قال له “بلاش فلسفة”، وختم ذلك بغلق الباب في وجهه. كاتب جزائري أزراج عمر :: مقالات أخرى لـ أزراج عمر بلاش فلسفة, 2016/10/28 مسرحية إبعاد عمار سعداني وحكم جماعة تلمسان, 2016/10/27 هكذا يستخرجون الفن من الفكر, 2016/10/21 لماذا تتدهور التنمية في الجزائر, 2016/10/20 صراعات رموز النظام الجزائري لتضليل الشعب, 2016/10/13 أرشيف الكاتب
مشاركة :