تفخيخ ديموغرافي يستهدف العرب السنة بقلم: هشام النجار

  • 10/31/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أردوغان يحاول احتواء الشباب الجهادي ممن لا تروقهم صدمة سقوط خلافة لم يمض على إعلانها خمس سنوات. العربهشام النجار [نُشرفي2016/10/31، العدد: 10441، ص(13)] مستقبل ما بعد داعش مجهول بالنسبة إلى السنة تحت شعار الحرب على الإرهاب يتم العبث بديموغرافية الدول العربية، على حساب حقوق العرب السنة التاريخية، وتمنح سياسات الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة أحلام إيران الإمبراطورية القومية والمذهبية أبعادا واقعية قابلة للتحقق. ألمحت مجلة “إيكونومست” البريطانية أخيرا إلى المأساة العربية السنية بقولها “الق نظرة فقط على أنقاض منطقة الهلال الخصيب، وسوف يظهر لك نمط مقلق من البحر المتوسط إلى الخليج العربي، أولئك الذين يتحملون وطأة الحرب هم العرب السنة في الجزء الأكبر، ورغم أنهم يشكلون أكبر كيان عرقي، وأنهم ورثة الإمبراطوريات الأسطورية، فإن العديد من مدنهم العظيمة في أيدي غيرهم”. يظل مستقبل ما بعد داعش بالنسبة إلى السنة مجهولا، وتحمّلهم مختلف الأطراف مسؤولية أزماتهم، وتنتظرهم ممارسات الميليشيات الشيعية التي تُمنح أدوارا بجانب مؤسسات الدول، وتتلاقى إرادات القوى الدولية لمنح إيران حوافز إضافية بسوريا والعراق دعما لأنظمة موالية لها. جزء من شيعة العراق لم يتقبلوا الممارسات الإيرانية، ورأوا في تدخلها وتهميش السنة تهديدا مباشرا لهم، خاصة بعد الحشد الشيعي الذي تم دفعه نحو سوريا فما يشبه “الملحمة الطائفية”، وهذا يهدد أمن الشيعة في بلدانهم، ويضر بقضيتهم الأساسية عندما تفقد الثقة في كون الطائفة الشيعية في أي بلد عربي أو مسلم تتمتع بولاء لأوطانها، وهذا كان محفزا لفعل سني سياسي مدروس وليس تكفيريا مسلحا. وصب حضور داعش بصورته الطائفية في صالح إيران، ولو تصاعد الزخم الاحتجاجي السلمي الحقوقي محليا وعربيا ودوليا، لما حظيت إيران بالمساحات المذهبية التي تمددت خلالها، وأهداها داعش ما تمنت بعسكرة الصراع ومذهبته، وهي لعبتها التي تجيدها، بالتذرع بمحاربة الإرهاب التكفيري وحشد أتباعها للنضال المقدس ضد “السنة الأشرار”، فخلقت رأي عام شيعيا خلف سياساتها التوسعية. ينمو الإرهاب في البيئات الطائفية، حيث يشعر قطاع من الشعب بالتمييز والغبن، وفي بيئة الفراغ، حيث لا وجود للدولة ومؤسساتها وأجهزتها، ولا تطرح قضية الإرهاب بصورة شاملة للمناقشة لحسابات ومصالح دول غربية وأخرى إقليمية، الأمر الذي يجعل المشكلة مستعصية على الحل عندما يعالج ملف الإرهاب منفردا عن ملف “الطائفية”، ويُنظر فقط إلى “الإرهاب السني” دون “الإرهاب الشيعي” الذي يُمارس من خلال ميليشيات مسلحة عابرة للدول ولا تعترف بالحدود السياسية. ووجدت إيران وميليشياتها الفرصة سانحة للسيطرة علي العراق وما صاحب ذلك من ممارسات وجرائم طائفية وقتل علي الهوية ليخلق نموذج داعش، مستغلا حاجة المجتمع السني للحماية واسترداد الحقوق والكرامة، وإيران أيضا تتقمص دور البطل الذي يخلص العالم من شرور داعش، فتقوم بالدور ونقيضه وبينهما تكتسب شرعية الحضور. خلال عامين خسر داعش معاقل نفوذه الرئيسية، وفقد أهم قياداته ويعاني من انشقاقات مؤثرة، وسوف يخسر الموصل ويتحول بعضه إلي خلايا نائمة والعمل السري وحرب العصابات ويزحف أعضاء منه إلي سوريا وليبيا، ويظل المناخ مهيئا لعودته بصورة أخرى وتحت عناوين مختلفة بعدما تكرر ذلك في عهد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق، نتيجة اليأس الذي استبد بالمجتمع السني، وقبل العودة المتجددة تطرح قوة أخرى نفسها كمدافع عن السنة مع انهيار داعش. تعمل تركيا على استيعاب جمهور داعش واحتوائه بخطاب إمبراطوري عاطفي يتحدث عن حقوق تركية تاريخية في أراض عربية وعن حماية السنة والوقوف في مواجهة النفوذ الإيراني، وهو المنطق الذي حشد به داعش مقاتليه من مختلف دول العالم، كمدافع عن إسلام سني مضطهد ومسلوب الحقوق. ويسعى أردوغان إلى استيعاب أعداد كبيرة من مقاتلين مدربين وضم قوى سنية فاعلة بايعت داعش وعملت تحت قيادته من أفراد وقادة جيش سابقين، ومن العشائر المسلحة ومن جماعات قاومت الاحتلال الأميركي، كما يحاول احتواء الشباب الجهادي ممن لا تروقهم صدمة سقوط خلافة لم يمض على إعلانها خمس سنوات، ولا يرغبون في تصديق فرضية فشل إقامة “الدولة الإسلامية”، بعد أن علقوا آمالهم عليها، وينظرون إلى تركيا كرافعة أكثر ارتكازا من داعش، باعتبارها دولة قائمة تحظى بالشرعية والعلاقات الدولية، فضلا عن جيش قوي. داعش استشعر الخطر التركي عليه مبكرا كون تركيا تطرح نفسها بديلا للخلافة البغدادية فطالت عملياته العمق التركي، وهي مواجهة سنية – سنية، تضاف إليها العلاقات العربية ـ التركية المتوترة، ممّا يضعف الفعل “السني” أمام تماسك وانسجام إيران مع حلفائها. وفي مواجهة داعش تكتل واضح بين ثلاث قوى رئيسية، هي الولايات المتحدة الأميركية وإيران وإسرائيل، وتسير طهران بتحالفها ذلك جنبا إلى جنب مع تحالفها الطائفي “إيران وسوريا وحزب الله والحوثيين” بغية بسط نفوذها في الإقليم، وتركيا لا تستطيع السيطرة على داعش وتوجيهه حسب رؤيتها وخططها، كما تفعل إيران مع أذرعها وميليشياتها العسكرية. :: اقرأ أيضاً المناهج الوطنية الموحدة خطوة أساسية لتجديد الفكر قبل الخطاب

مشاركة :