لماذا تترنح تجارب الإسلاميين العرب مع الأحزاب السياسية | هشام النجار | صحيفة العرب

  • 6/10/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تعيش الأحزاب المنتمية لتيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية أزمة ثقة متفاقمة تتعلق بكيفية ممارستها للعمل السياسي، وهو ما يختصره مصير حزب البناء والتنمية في مصر، إذ فشلت هذه الأحزاب في التقاط مزايا فتح نوافذ العمل السياسي الذي منحته لها العديد من الدول العربية عندما أثبتت أن ارتباطها بالمحاور الإقليمية وحرصها على مصالح الدول الأجنبية أكبر من ولائها لمصالح أوطانها. القاهرة - قضت دائرة الأحزاب السياسية بالمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بقبول طلب لجنة شؤون الأحزاب السياسية بحل حزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية في مصر، وتصفية أمواله وإحالتها إلى الخزانة العامة. وسبق، وفقا لتحديث قوائم الإرهاب الذي أجرته الدائرة الحادية عشرة بمحكمة جنايات القاهرة تنفيذا لقانون الكيانات الإرهابية، إدراج مئة وأربعة وستون عضوا بالحزب على قوائم الإرهاب، وتأجل البت بحل الحزب الذي تأسس في يونيو 2011 أكثر من مرة، لكن لم يكن غريبا بالنظر لما سبق من إجراءات إدراج رئيس الحزب السابق طارق الزمر وغالبية قادته ضمن الكيانات الإرهابية. عكس الحكم القضائي الصادر السبت وجود نشاطات يقودها جناح بالجماعة الإسلامية من الخارج، مثلت حلقة صلة بين التنظيمات الإرهابية في كل من سوريا والعراق وسيناء، من خلال شبكة تدار من قطر وتركيا بالتعاون مع قادة بجماعة الإخوان. تورطت الجماعة الإسلامية في تجنيد الشباب بتنظيم داعش في سيناء مدعوما بتمويلات من رجال أعمال قطريين لخدمة مواقف جماعة الإخوان ضد الدولة، وفق ما ورد بحيثيات قرار محكمة جنايات القاهرة السابق بإدراج قيادات الجماعة على قوائم الكيانات الإرهابية. وأشارت الحيثيات إلى محاولة إحياء النشاط الإرهابي للجماعة الإسلامية والتحريض ضد الدولة والقيام بتسليح بعض شباب الصعيد وإعداد عروض عسكرية بجنوب مصر، وارتباط العديد من العناصر بأخرى أجنبية. وكشفت وقائع قضية “تنظيم ولاية سيناء” في مايو 2018 وحكم فيها بإدراج قادة الجماعة والحزب ضمن قوائم الكيانات الإرهابية أن الجماعة لم تنفك عن منهجها القديم، وراهنت على تغذية العنف من خلال مجموعات تحمل مسميات مختلفة. ينطوي الحكم بحل حزب البناء والتنمية على أن الجماعة الإسلامية لم تسهم في تحقيق أهداف الدولة من سماحها بتأسيس أحزاب سياسية للإسلاميين، حينما فتحت نوافذ العمل السياسي والحزبي لأعضاء التيار الإسلامي بعد ثورة يناير، بهدف ضمان عدم العودة للعنف وسحب البساط من تحت أقدام الداعين له من ذوي الأفكار الجهادية والتكفيرية. الصراع البارد والساخن انخراط قيادات في خطط إشراك مقاتلين إسلاميين من مصر في المواجهات المسلحة بسوريا وليبيا برعاية تركية وقطرية انخراط قيادات في خطط إشراك مقاتلين إسلاميين من مصر في المواجهات المسلحة بسوريا وليبيا برعاية تركية وقطرية توخى متصدرو المشهد السياسي في تلك المرحلة حرمان الفصائل المتشددة داخل تيار الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المتحالفة مع قوى إقليمية من المؤازرة والدعم، عبر رعاية مسار معاكس يتبنى الخط الوطني ويبلور تجربة حزبية محلية للإسلاميين تنهي عقودا من الصراع البارد والساخن مع الدولة ومؤسساتها. وثبت عدم استحقاق قادة الجماعة الإسلامية المصرية لهذه الثقة، حيث لم يقدموا المكافئ الفكري والسياسي الذي يرتقي لمستوى منحهم حزبا سياسيا ناشطا في الساحة المصرية. وانحاز قادة الجماعة للتحالفات الخارجية على حساب المصالح الوطنية، ووضح من تطورات ما بعد عزل جماعة الإخوان عن السلطة في العام 2013، مدى ارتباط حزب البناء والتنمية بأجهزة النظامين التركي والقطري، لدرجة منح حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا العضوية الشرفية لقيادات بالحزب، وفي مقدمتهم ممدوح علي يوسف قائد الجناح العسكري السابق للجماعة وعضو الهيئة العليا للحزب. ويختصر مصير حزب البناء والتنمية في مصر أزمة مجمل أحزاب تيار الإسلام السياسي في مختلف البلدان العربية من تونس إلى ليبيا إلى السودان، حيث من الصعب الصبر على كيانات داخل منظومة سياسية وطنية في حين تتلقى دعما خارجيا من دول سعت لهدم وتفكيك مؤسسات الدولة الوطنية بغرض اختراقها وإخضاعها لإرادتها عبر وكلاء محليين. ويرجع فشل هذه الأحزاب لالتحاقها بسياسة المحاور الإقليمية ودورانها في فلك مصالح دول خارجية، وهو ما تعكسه تصريحات قادتها وطبيعة الفعاليات والمؤتمرات التي يشاركون بها دعما لمشروع أردوغان التوسعي بالمنطقة العربية، تحت زعم الانتصار لنموذج الخلافة الإسلامية. وتوهم قادة الجماعة الإسلامية وذراعها السياسية فرضية نجاحهم في الحفاظ على ازدواجية ولائهم لمحور إقليمي بالتوازي مع تمتعهم بنشاط سياسي حزبي ببلادهم، في حين اقتضى ذلك عمليا بناء على متطلبات المشروعين التركي والقطري إسهام هذه الجماعات والأحزاب في تغذية العنف والفوضى بالداخل العربي، بالأفكار والكوادر ولو في الخفاء، ما وضع نهاية لحضورهم في المشهد الحزبي. وترتبط مزاولة نشاط حزبي تحت راية وطنية بطرح رؤى فكرية وسياسية واقتصادية تسهم في حل مشكلات المجتمع في كافة المجالات وتدفع للاندماج والمشاركة والانحياز للخيارات الوطنية، في حين اقتضت مصالح المحاور الإقليمية تصدير مقاتلين للتنظيمات المسلحة داخل الدول التي تشهد حروبا أهلية، وهو النشاط الذي أسهمت فيه الجماعة الإسلامية من خلال تشكيل حركة الأنصار التي عُدت بمثابة ذراعها العسكرية في سوريا. وانخرط قادة الجماعة الإسلامية، خاصة الهاربون منهم في خطط إشراك مقاتلين إسلاميين من مصر بالمواجهات المسلحة بسوريا وليبيا، استنادا إلى تقاطع رؤاهم وأهدافهم بالبلاد العربية ومصر مع مشاريع بعض القوى الإقليمية، وفق رؤية مفادها سد حاجة دول مثل تركيا وقطر لقوى مؤدلجة مسلحة تحارب عنهما بالوكالة، مقابل حاجة تلك الجماعات للدعم المادي والمعنوي والإعلامي. ودفع التحالف الإقليمي قيادات الجماعة الإسلامية لوصل ما انقطع من صلات بعد إطلاق قادتها الإصلاحيين مبادرة وقف العنف مع تنظيمات السلفية الجهادية، خاصة تنظيم القاعدة بالجوار العربي، وهو ما اعتبره صقور الجماعة أفضل تجهيز لمرحلة الانقلاب الإسلامي المسلح داخل مصر خاصة بعد عزل الإسلاميين من السلطة. وجر الارتباط بمحور إقليمي الجماعة الإسلامية للتنسيق والتعاون مع فصائل السلفية الجهادية في الصراعات الدائرة بالمنطقة العربية، لاسيما تنظيم القاعدة، ما أدى لمقتل رفاعي طه، أحد أهم قادة الجماعة في سوريا أثناء قيامه بمهمة وساطة كُلف بها من قبل قيادة القاعدة المركزية. قُتل أبوالعلا عبدربه، وهو أحد القادة المشاركين في عملية اغتيال المفكر المصري فرج فودة أثناء مشاركته في القتال بسوريا في صفوف أحد فصائل تنظيم القاعدة، علاوة على هروب العديد من قيادات الجماعة سواء إلى تركيا أو قطر أو السودان، في سياق مشروع عابر للحدود تحت أعلام القاعدة وبرعاية تركية قطرية. نزع الشرعية السياسية قادة الجماعة الإسلامية وذراعها السياسية توهموا فرضية نجاحهم في الحفاظ على ازدواجية ولائهم لمحور إقليمي بالتوازي مع تمتعهم بنشاط سياسي حزبي ببلادهم اكتفى قادة الجماعة والحزب داخل مصر بتجميد نشاط الحزب السياسي، دون طرح مبادرات ورؤى سياسية وفكرية تحد من انضمام أعضائها للجماعات المسلحة في سوريا ومصر وليبيا، ما أكد قوة نفوذ القادة الهاربين وسيطرة قناعات الحلف الإقليمي الذي وضع مجمل الإسلاميين العرب في قلب مشروع عابر للحدود يجرهم عمليا إلى ساحات المواجهات الشاملة مع الدول العربية. فقدت الجماعة الإسلامية كل المزايا التي تمتعت بها عقب إطلاق مبادرة وقف العنف عام 2001، وتاليا عقب انتفاضة يناير 2011، وفي مقدمتها تأسيس حزبها السياسي، على وقع تحالفها مع جماعة الإخوان التي قادها لاسترداد مناهج وأدبيات الصدام والمواجهة مع مؤسسات الدولة خاصة بعد يونيو 2013 في سياق خطط جماعة الإخوان لاستعادة السلطة. وحرصت جماعة الإخوان على تجميد نشاطات الأحزاب الإسلامية الحليفة لها بعد عزلها عن السلطة، بغرض نزع الشرعية عن المسار السياسي الحالي، والتأكيد على انصياع مجمل الحالة الحزبية الإسلامية لتوجيهات الإخوان فلا عودة للعمل السياسي إلا مع عودة الإخوان للسلطة. روجت جماعة الإخوان إلى أن ما جرى هو نهاية التيار الإسلامي سياسيا ولا مستقبل عبر العمل الحزبي في ظل نظام اختطف السلطة بالقوة من الإسلاميين، وأعطت إشارة عدم جدوى العمل السياسي والحزبي تحت زعم محاربة الدولة للأحزاب الإسلامية الضوء الأخضر لراغبي العمل السري المسلح في أوساط الإسلاميين للانخراط في النشاط العسكري والميداني، ضمن الخلايا الحركية التي أسستها جماعة الإخوان أو التابعة لتنظيمات السلفية الجهادية. وظفت جماعة الإخوان غالبية مكونات طيف الإسلام السياسي والحركي والجهادي متضمنة أحزاب الإسلاميين التي لا تزال حاضرة في المشهد بعناوينها، لتحقيق أهداف نزع الشرعية عن النظام السياسي القائم وتعطيل المسار السياسي وإرباكه بالنشاط الإرهابي الموسع، ليُعاد النظر في إقصاء جماعة الإخوان التي اعتادت على طرح نفسها كحالة ضامنة لكبح الإرهاب. عُد تحول جماعة الإخوان لممارسة العنف بعد انقطاع نسبي دام منذ سبعينات القرن الماضي بمثابة إضافة نوعية للتيار الجهادي التكفيري بالنظر لما يمتلكه الإخوان من موارد بشرية ومالية وحضور بكل دول العالم. منح هذا التحول دفعا معنويا للجهاديين، عندما اعتبروها فرصة نادرة لأن تجتمع الحركة الإسلامية بمن فيها جماعة الإخوان على مسار واحد ما أدى لغلبة الجبهات المنادية بالمواجهة المسلحة داخل فصائل الإسلام السياسي العاملة على الساحة. استغل قادة الجماعة الإسلامية الذين ظلوا على قناعاتهم القديمة تبني الإخوان للعنف لإثبات صحة مواقفهم من الأنظمة الحاكمة، واحتجوا لدى جماعة الإخوان وغيرها بأن مناهج تعاطيهم مع النظم القائمة عبر مواجهتها بالسلاح وقيادة ثورة إسلامية مسلحة عليها كان هو الأقرب للصواب. وصار هناك شبه إجماع بشأن اللجوء للقوة والعنف تحت عنوان الثورة المسلحة مع المراوغة والتغطية بنشاط حزبي مجمد، حيث نجح قادة الإخوان في إقناع أصحاب الصوت الخافت ممن ظلوا ينادون بالسلمية بأن عودتهم للسياسة لن تنجح إلا من خلالها وعبر علاقاتها الإقليمية كتنظيم دولي ترعاه وتموله قوى إقليمية. وضمنت جماعة الإخوان بحل حزب البناء والتنمية عدم وراثة مركزها ككيان إسلامي حزبي في المشهد المصري، وعدم انتقال هذا الدور لتلعبه جماعة إسلامية غيرها، عقب مرحلة خفضت خلالها الجماعة الإسلامية من مستويات دعمها المعلن للإخوان خوفا من العودة لماضي السجون والملاحقات والمطاردات الأمنية. تُطمئن عودة الجماعة الإسلامية لوضعها القديم ككيان غير شرعي وكملف أمني لا علاقة له بالمشهد السياسي قادة جماعة الإخوان، خاصة بعد صعود أصوات داخل الجماعة الإسلامية تنادي بالاستقلال والانفراد بمسار خارج أي تحالفات مع فصائل إسلامية أخرى، لوضع حد لمسلسل دفع الفواتير عن خيارات الإخوان الكارثية. حرمان الجماعة الإسلامية من المظلة السياسية التي كانت تحميها وتغطي بها على نشاطاتها التكفيرية والعنيفة، يجدد فرص رواج دعايات جماعة الإخوان المتعلقة بانسداد الأفق السياسي الحالي وعدم توفر فرص المشاركة للتيار الإسلامي، ما يمنحها أدوات مضافة في سياق مسار المفاصلة والصراع مع النظام القائم. ويهم جماعة الإخوان أن تخدم المسار الذي تتبناه وفق طبيعة المرحلة ولوازمها، وكما دعمت حضورها في المشهد السياسي عبر حزبها من خلال تكتيل أحزاب دينية تساندها، سعت بعد فقدانها السلطة لسحب هذه الكيانات من المشهد السياسي لإسناد جهودها في معركتها الوجودية ضد الدولة. فشل متكرر تجربة الجماعة الإسلامية غير صالحة في المنطقة العربية تجربة الجماعة الإسلامية غير صالحة في المنطقة العربية فشل قادة حزب البناء والتنمية في تدارك الأخطاء وتصحيحها خلال سعيهم لإنقاذ الحزب من الحل، بالنظر إلى أنها ليست المرة الأولى لهم في ارتكاب ممارسات وعقد تحالفات تهدد الأمن القومي قبل أن تبدأ الدولة معهم صفحة جديدة عقب مبادرة وقف العنف، ما حال دون منحهم الثقة والفرص مجددا. أعلن قادة الحزب ظاهريا تجميد عضويته في مَا سُمي بتحالف دعم الشرعية الذي قادته جماعة الإخوان، لكن توقيت هذا الإعلان في العام 2018 تزامن مع انهيار هذا التحالف فعليا، حيث لم يعد له أي تأثير في المشهد أو مقدرة على تجميع حشود جماهيرية وبناء تكتلات سياسية ذات فعالية في الساحة المصرية. وبعد أن وصل تحالف الإسلاميين إلى طريق مسدود ولم يعد يُجدي مسار العنف والمظاهرات في حلحلة الوضع وتغيير الواقع، أطلق قادة الجماعة الإسلامية مبادرات عكست حرصهم على إنقاذ حلفائهم الجهاديين تمهيدا لإعادتهم للمشهد. وأطلقت الجماعة الإسلامية مبادرة للمصالحة في سيناء، ورد في مقدمة بنودها إعلان الجماعات المسلحة وقف عملياتها ضد الجيش والشرطة مقابل وقف الحكومة الملاحقات الأمنية للمسلحين. أعطت المبادرة انطباعا بأن الجماعة تتدخل لإنقاذ حلفائها والحيلولة دون القضاء عليهم بشكل نهائي بعد أن تمكن الجيش المصري والأجهزة الأمنية من نزع أنياب وأظافر الجماعات التكفيرية المسلحة بسيناء. وكشفت دعوات قادة الجماعة الإسلامية المتكررة لإطلاق سراح قادة وأعضاء جماعة الإخوان المسجونين مدى حرصها على مصالح حلفائها داخل تيار الإسلام السياسي، كي لا يتعرضوا لهزائم شاملة تنهي حضورهم، ما عكس مؤازرة جناحي الإسلام السياسي والسلفية الجهادية لبعضهما في مواجهة الدولة المصرية. تأسست أحزاب تيار الإسلام السياسي بمصر من منطلق التقية دون قناعة من قادتها وأعضائها بجدوى وجودها، وبخلاف التصورات الأممية وتكفير المخالف والموقف المعادي للتحديث والحريات وتبني النظريات والآليات العصرية في السياسة والاقتصاد، ظل الحاجز الشعوري الذي أقامه الإسلاميون حيال الديمقراطية والممارسة السلمية هو الأكثر تأثيرا. فُضحت سريعا النيات والقناعات العقائدية الحقيقية، وظل تصور آباء هذا التيار ومؤسسيه عن جدوى الأحزاب السياسية والعمل داخل سياق مشهد تنافسي مع ليبراليين ويساريين ضاربا في وجدان أتباعهم حتى بعد تأسيسهم لأحزاب سياسية. أثبتت تجربة حزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية المصرية أن هذه الحالة غير صالحة للمنطقة العربية، لكونها متخلفة عن ركب التغيير الذي حدث في العالم، ولأن فوضويتها وطائفيتها ورجعيتها موظفة لخدمة مصالح محور إقليمي استغل أيديولوجيا الخلافة الأممية لعقد تحالفات بين المؤمنين بها الرافضين لأي مقاربات فكرية تدعم الانتماء الوطني.

مشاركة :