سلطان يسرد قصة الصراع التجاري في الخليج

  • 11/2/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: الخليج يقدم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، في كتابه صراع القوى والتجارة في الخليج (1620م- 1820م) الصادر عن منشورات القاسمي، دراسة جديدة حول التاريخ الاقتصادي والسياسي لمنطقة الخليج، وأبرز النشاطات التجارية التي شهدتها المنطقة خلال حقبة تاريخية معينة، تمتد قرنين من الزمن، متتبعاً فترات صعود الأعمال التجارية، والأسباب الرئيسية وراء هبوط هذه الأعمال واضمحلالها التدريجي. يلفت سموه، انتباه القارئ إلى أن هذا الكتاب يروي صراعات القوى الفارسية، والنزاعات المحلية الأخرى حول التجارة في الخليج، وحول شؤون شركات الهند الشرقية الأوروبية. فعند وفاة نادر شاه في عام 1747 م، كانت بلاد فارس قوة ذات هيمنة حقيقية، إلا أن الفراغ الذي تلى ذلك، شهد البداية لترسيخ الشيوخ العرب على الساحل الفارسي لمراكزهم التجارية، وكذلك القوى التي على الساحل العربي للخليج انضمت لتلك الصراعات، فنشاهد آل بوسعيد في مسقط، والقواسم في جلفار، والعتوب في البحرين والقرين (الكويت)، مشيراً إلى أن هذا الكتاب يعد مصدراً للباحثين عن تاريخ الأسر الحاكمة على ضفتي الخليج، وكذلك فهو مرجع للباحثين في الاقتصاد والتجارة في الخليج في تلك الفترة. بين وفاة نادر شاه عام 1747م، وتأسيس حكم سلالة قاجار عام 1795م، كان هناك 48 عاماً من حكم آل زند في بلاد فارس. وخلال تلك الفترة تدهورت التجارة في الخليج، وأغلقت مقار التجارة الأوروبية في موانئ عديدة. وقدم المؤرخون أسباباً متفاوتة، وغير موضوعية لهذا التدهور، لذا يحاول هذا الكتاب من خلال التطرق إلى المصادر الأساسية بشكل مفصل أن يقدم تفسيراً أكثر منطقية وعقلانية لهذه التطورات، بدلاً من البراهين السابقة التي لا تستند إلى أساس من الصحة. يقول سموه: في هذا الكتاب، أحاول أن أبرهن على أن السبب الأول في تدهور التجارة، وانسحاب المستوطنات التجارية من بندر عباس، كان الفتن، أو الصراعات على السلطة في المنطقة. فمن جهة، هناك الصراع من أجل السيطرة الشاملة على بلاد فارس الذي كانت عاقبته دمار التجارة. ومن جهة أخرى، هناك الفوضى في منطقة بندر عباس، التي أحدثها ملا علي شاه، وشيخ بني معين، والشيخ راشد بن مطر القاسمي، التي كانت السبب الرئيسي في الانسحاب من ذلك المرفأ. ويضيف:إن توقف التجارة في بندر رق وجزيرة خرج سببه الغليان الذي أثاره شيخ القبيلة المحلي مير مهنا. ووفقاً للإنجليز، كان السبب الرئيسي في سحب مستوطنتهم من بندق رق، هو النزاع بين مير مهنا، وكريم خان حول بندر رق، لكن الشك الذي خامر مير مهنا حول فكرة أن الإنجليز كانوا أعداءه، وأنهم كانوا حلفاء لكريم خان هو ما تسبب في طردهم. وكان الهولنديون قد تم طردهم من جزيرة خرج، بعد أن حشدوا قواتهم في بو شهر لمحاربة مير مهنا، بناء على أوامر كريم خان. ويتابع سموه قائلاً: في بو شهر، كانت المسألة مختلفة، فبالرغم من أن سلوك الإنجليز كان محايداً في النزاعات، إلا أنهم لم يتمكنوا من تفادي المخاطر، فقد تكبدوا خسائر جسيمة على يدي مير مهنا، بينما اعتقد كريم خان أن الإنجليز كانوا يرفضون مساعدته ضد مير مهنا. إن غضب كريم خان وتصميمه على ألا يستقبل الإنجليز علناً، وخوفه من أن يقوم أخوه زكي خان باعتقال الإنجليز في بوشهر، كل ذلك ساهم في دفع عجلة انسحاب المستوطنة الإنجليزية من هناك. وأخيراً عندما تولت سلالة آل قاجار مقاليد السيطرة على كل الأقاليم الفارسية في بداية القرن التاسع عشر، تزايدت قيمة تجارة الإنجليز مع بلاد فارس بشكل هائل. يأتي الكتاب في 468 صفحة، وقد قسم على ستة فصول تسبقها مقدمة تمهيدية تبحث اختيار الموضوع ومناخ الدراسة وتأسيس المستوطنات الإنجليزية الهولندية والتنافس الأنجلو هولندي، ثم يأتي أول الفصول بعنوان الجغرافيا التاريخية للخليج، يعقبه الفصل الثاني عن مستوطنة بندر عباس، والفصل الثالث عن مستوطنتي بندر رق وجزيرة خرج، فيما يأتي الفصل الرابع تحت عنوان بوشهر في فترة الاضطراب، والخامس بعنوان بوشهر من الاضطراب إلى السلام، ويختتم الكتاب بدراسة انسحاب الإنجليز والهولنديين من تلك المستوطنات. تصحيح الروايات المغلوطة حول الدافع الرئيسي وراء هذه الدراسة المعمقة، يقول سموه: مضت عدة قرون حتى الآن منذ وجود ظاهرة ازدهار وانهيار التجارة الأوروبية في الخليج، وانسحاب مستوطنات التجارة الهولندية والإنجليزية، التي امتدت لتشمل الفترة من 1620م إلى 1820م. طوال ذلك الوقت لم يقدم أي أكاديمي رواية مفصلة، أو تفسيراً منطقياً أو عقلانياً لتلك الأحداث. إن الهدف الأساسي من هذا الكتاب هو: تقديم مثل هذا التفسير، وتصحيح الروايات المغلوطة في الكتاب المسمى دليل الخليج الفارسي، عمان ووسط الجزيرة العربية الذي ألفه جون لوريمر بين عامي 1908م و1914م، بحيث يُوجه المؤلفين اللاحقين إلى عدم مواصلة تكرار نفس الأخطاء، بسبب الاتكال المفرط على ذلك المصدر المهم جداً من تاريخ وجغرافية الخليج. فمثلاً، يعيد لوريمر سرد أحداث معينة جرت بين عامي 1716م و1763م، ويصفها بأنها كانت الرائدة في انسحاب مقر التجارة الإنجليزي من بندر عباس عام 1763م، لكنه لا يوطد أية علاقة بين الأحداث والانسحاب. فهو يذكر الفتن في بندر عباس، دون أن يقول: إنها سبّبت الانسحاب. لا شيء سوى أن الوكيل الإنجليزي قد انسحب فجأة في تلك الفترة الحاسمة. تبين هذه الدراسة أن الفتن التي كانت في الأصل صراعات من أجل السلطة بين شعوب الخليج، كانت السبب الرئيسي في الانسحاب من بندر عباس. وبالنسبة لبندر رق يذكر لوريمر سبب طرد الإنجليز عام 1756 من بندر رق موافقاً بذلك وجهة نظر الوكيل الإنجليزي وود، بأن الأمر كان مدبراً من قبل الهولنديين، الذين كانوا تواقين لتولي زمام الأمور في بندر رق بأنفسهم. كان لوريمر يعزو بشكل خاطئ طرد الهولنديين من جزيرة خرج عام 1766م إلى عدم ربحية مقر التجارة في جزيرة خرج، وإلى الأخطار التي واجهها المقر. لقــــد حمّـــل لوريمر مسؤولية انسحاب مقر التجارة الإنجليزي من بو شــهر عام 1769 على مورلي الذي كان الرئيس هناك. وفي الحقيقة كان السبب الرئيسي هو عدائية كريم خان زند، والتهديد الحاصل من زكي خان. مصادر الدراسة توجد أهم المصادر الوثائقية لهذه الدراسة في: يوميات غمبرون، وسجلات مقر بو شهر في مكتبة مكتب الهند والسجلات في لندن. أرشيف شركة الهند الشرقية الهولندية في أرشيف الدولة العام، في مركز أرشيف (هيغ)/ لاهاي. يوميات البصرة، دفاتر يوميات الدوائر التجارية، ويوميات الدائرة السياسية، وأمانة السر في أرشيف بومبي (وتدعى الآن أرشيف دولة مهاراشترا). يؤكد سموه أنه في أي بحث حول مسائل شركة الهند الشرقية الإنجليزية، يضطر المرء للتركيز في موعد بداية للبحث، حيث إن الكثير من السجلات والروايات عن المقرات التي أسستها الشركة في غمبرون، وأصفهان، وفي داخل بلاد فارس خلال فترة حكم الصفوي قد ضاعت. وحتى لو كان هناك اعتقاد أن من الجدير استقصاء السنوات المبكرة لتجارة الإنجليز مع بلاد فارس من مصادر بريطانية بحتة، إلا أن المحاولة كانت لتفشل بسبب نقص المادة الكافية من الأرشيف، سواء بخصوص هذا الموضوع أو أي من المواضيع المتعلقة بجوانب التجارة في الخليج بين عام 1620م وعام 1746م. ومن جهة أخرى، يزودنا البحث في أرشيف شركة الهند الشرقية الهولندية في دائرة أرشيف الدولة العام في لاهاي بهولندا بكم هائل من مادة المصادر الأساسية الموثقة من أجل نفس الفترة. وتجدر الإشارة إلى أن سجل يوميات غمبرون لا يقدم أية معلومات حول كميات الصادرات والواردات السنوية الجارية، من جانب شركة الهند الشرقية الإنجليزية، خلال الفترة التي كان فيها المرفأ في قمة ازدهاره. قبل بضعة أشهر من وصول أوامر من بومبي بسحب المقر التجاري، مما يوضح أن تجارة الإنجليز في بلاد فارس كانت تتدهور. إن سجل يوميات البصرة (1763م- 1811م)، هو مصدر مهم للمعلومات عن التجارة في الخليج. وهذه الوثائق، المحصورة في 12 مجلداً، هي بحالة سيئة جداً، ولا يمكن العثور عليها إلا في سجل أرشيف بومبي. فليس هناك نسخة في مكتبة مكتب الهند في لندن. وقد تمت الاستفادة بشكل مكثف من هذا المصدر الأساسي في هذه الدراسة. هناك مواد من مصادر أخرى، تم الحصول عليها من سجلات أرشيف بومبي، وهي يوميات الدائرة التجارية لشركة الهند الشرقية، ويوميات الدائرة العامة، ومجموعة مخطوطة تحتوي على تقرير حول التجارة في الجزيرة العربية وبلاد فارس. البيئة العامة في بداية القرن السابع عشر كان يتم تصدير الحرير الفارسي عن طريق البر إلى تركيا، وكان مركز التجارة مدينة حلب في سوريا، ويقدر بأن 6000 بالة (بالة: حزمة من المنسوجات محكمة اللف والربط) كانت تدخل إلى أوروبا عبر هذا الطريق سنوياً. حاولت شركة الهند الشرقية الإنجليزية أن تحول تجارة الحرير إلى الخليج ، ومن ثم إلى لندن عن طريق الهند، ولكنها كانت تفتقر إلى الأرصدة الكافية لشراء مثل هذه الكمية من الحرير، التي يقدر ثمنها بمبلغ 540000 جنيه إسترليني سنوياً، لذا حذا الهولنديون حذو الإنجليز في محاولة الحصول على نصيبهم من الحرير الفارسي، وكانت شركتا الهند الشرقية كلتاهما تصدر المنتجات الآسيوية إلى بلاد فارس، وتحصل بالمقابل على المال والحرير. وكانت محاولة الهولنديين والإنجليز لتحويل الحرير الفارسي عن مساره من الخليج إلى البحر المتوسط (بعد جلاء البرتغاليين عن هرمز عام 1622م) قد فشلت على طول المدى. كانت تجارة الحرير مع الخليج ظاهرة مؤقتة. ففي النصف الثاني من القرن السابع عشر، كان معظم الحرير الفارسي يذهب أيضاً إلى أوروبا عن طريق حلب، وبقي الوضع كذلك في القرن الثامن عشر. المستوطنات الإنجليزية والهولندية في الخليج بندر عباس: في عام 1622م حاول الإنجليز والهولنديون تأسيس شركاتهم في جزيرة هرمز، لكن الفرس رفضوا السماح لهم بذلك: وبدلاً من ذلك سمحوا للأوروبيين بتأسيس مستوطناتهم في ميناء غمبرون (بندر عباس). جزيرة خرج: في أكتوبر عام 1753م، عرض مير ناصر حاكم بندر رق جزيرة خرج على المقيم الهولندي في البصرة، وهو كنبهاوزن لتأسيس مقر تجاري هناك، فوافق الحاكم العام الهولندي في باتافيا (إندونيسيا) على مبادرة كنبهاوزن وأرسله إلى جزيرة خرج لتأسيس المستوطنة. بندر رق: أعطى مجلس إدارة شركة الهند الشرقية في لندن حرية التصرف لحاكم بومبي في إبريل عام 1754م، لتوطين أي من موظفيه في بدر رق، وقرر أن يرسل فرانسيس وود إلى هناك لفتح مقر تجاري. بو شهر: تم توجيه ألكسندر دوغلاس الوكيل الإنجليزي في بندر عباس لزيارة بو شهر في إبريل عام 1761م، وذلك لإبداء رأيه حول المكان المناسب بين بندر عباس والبصرة من أجل التجارة، وقد رأى دوغلاس أن المكان الوحيد المناسب على امتداد كل ذلك الشاطئ هو بلدة بو شهر. أنواع العملات اختلفت قيمة العملات ووزنها أيضاً، بشكل واسع خلال فترة هذه الدراسة، وكانت علاقتها المتداخلة معقدة بشكل مماثل. ففي التجارة الفارسية كانت وحدة الحساب المستخدمة بشكل أكثر شيوعاً، أكثر من كونها عملة، هي التومان. وقد انحدرت قيمتها من 3 جنيهات و7 شلنات تقريباً إلى أقل من جنيه واحد (فقط حوالي عشر شلنات وفقاً لأحد التقارير في أعوام 1817م- 18320م). أما بالنسبة للعملات الأوروبية فقد تم إحضارها إلى الخليج عن طريق الإنجليز والهولنديين في النصف الأول من القرن السابع عشر، وذلك لدفع ثمن الحرير، وكانت العملات المستخدمة الأكثر شيوعاً لهذا الغرض في ذلك الوقت هي الدوكات البندقية الذهبية، ورجكسدلر الفضية الهولندية، والقطع الفضية ذات الثمانية أجزاء (الريال الإسباني).

مشاركة :