عادت أسعار النفط أمس إلى تسجيل تراجعات سعرية في ضوء غياب الاستقرار في السوق وتواصل التقلبات وجاء التراجع بفعل ارتفاع المخزونات وزيادة إنتاج دول "أوبك" خاصة نيجيريا وليبيا والعراق وتجدد المخاوف من صعوبة توافق المنتجين خلال الاجتماع الوزاري للمنظمة المزمع عقده في فيينا يوم 30 من الشهر الجاري. وما زالت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" تحاول بث أجواء الثقة بالسوق قبل أقل من شهر على الاجتماع الوزاري، حيث أكد محمد باركيندو الأمين العام قدرة المنظمة على احتواء الخلافات واتخاذ الإجراءات المطلوبة كافة لتنفيذ اتفاق الجزائر الخاص بخفض الإنتاج. وأسهمت شركة "أرامكو" السعودية أيضا في تحفيز السوق نحو التوازن، حيث أكدت ثقتها بتعافي السوق وتوازنه خلال النصف الأول من العام المقبل وأن عملية طرح 5 في المائة من حصة ستجيء في توقيت مناسب حيث سيكون السوق استعاد الكثير من عافيته حيث من المقرر بدء خصخصة الشركة في عام 2018. وفي هذا الإطار، يؤكد لـ "الاقتصادية"، الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، أن ارتفاع المخزونات مع زيادة إنتاج دول أوبك قاد إلى عودة الانخفاضات السعرية وأسهم في استمرار تقلبات السوق مشيرا إلى أهمية تجاوب المنتجين مع تنفيذ اتفاق الجزائر للسيطرة على تخمة المعروض التي تثقل كاهل السوق وتحول دون تعافي الأسعار بشكل جيد ومستدام. وأشار ديبيش إلى أن لجنة الخبراء تواجه مهمة صعبة وثقيلة في تحديد حصص خفض الإنتاج خلال اجتماعها في فيينا في 25 من الشهر الجاري ولكنها – بحسب تأكيدات مسؤولي "أوبك" – قادرة على إنجاز مهمتها في ضوء تعهدات حصلت عليها المنظمة من المنتجين بأهمية وضرورة تطبيق اتفاق الجزائر. وأضاف ديبيش أن استمرار ضعف الأسعار يزيد الضغوط بصفة مستمرة على الاستثمارات مشيرا إلى أن كبريات شركات الطاقة تتجه الآن إلى تكثيف استثماراتها في مجال الطاقة المتجددة للاستفادة من فرص نموها الواسعة علاوة على تراجع تكلفة إنتاجها وتقنياتها بشكل مستمر. من جانبه، يقول لـ "الاقتصادية"، فينسيزو أروتا مدير شركة تيميكس أوليو الإيطالية للطاقة، إن محاولات "أوبك" للسيطرة على المعروض وضبط السوق بالتأكيد ستقود إلى نتائج إيجابية حتى وأن تأخرت بعض الشيء أو واجهت صعوبات في إقناع كل المنتجين بهذه الخطوات. وأشار أروتا إلى أن غياب الاستقرار السياسي في ليبيا ونيجيريا والحرب الحالية في العراق قد تجعل هذه الدول لا تستجيب بالقدر الكافي لخطط خفض أو تجميد الإنتاج ولكن يجب استمرار المشاورات والاتصالات بين المنتجين لتنسيق المواقف خاصة أن نمو الأسعار بشكل مستدام سيصب في صالح جميع الأطراف وسيؤدي إلى رواج الصناعة بشكل شامل. ونوه أروتا إلى أن اجتماع 30 من الشهر الجاري، هو بمنزلة اختبار لقوة أوبك ولقدرتها على العودة إلى دورها التقليدي في قيادة السوق خاصة أنها تلقى مساندة جيدة من روسيا أكبر الشركاء لها من خارج الأعضاء وبالتالي فإن فرص النجاح أكبر كثيرا من الإخفاق. من جانبه، يقول لـ "الاقتصادية"، إيفليو ستايلوف المستشار الاقتصادي البلغاري في فيينا، إن كثيرا من اقتصاديات الدول المنتجة ما زالت قائمة بشكل كامل وغالب على النفط الخام وهو أمر لم يعد مناسبا في ظل تغيرات جوهرية حدثت في سوق الطاقة ولا بديل للجميع عن التحول إلى الاقتصاد المتنوع ومزيج الطاقة الذي يضم موارد مختلفة. وأضاف ستايلوف أنه من المؤكد أن الطاقة التقليدية ستظل مهيمنة على منظومة الطاقة في العالم لعقود قادمة ولكن من المتوقع أن تشهد مشروعات الغاز خاصة الغاز الطبيعي المسال طفرة واسعة وكبيرة تلائم الإمكانات الضخمة لهذا المورد المهم الذي يتوافق مع المعايير البيئية التي اقرها المجتمع الدولي في اتفاق باريس لمكافحة تغير المناخ. من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، فقد هبطت أسعار النفط أمس لليوم الرابع في الوقت الذي يترقب فيه المستثمرون القلقون الأرقام الرسمية لمخزونات النفط الأمريكية التي تصدر في وقت لاحق، بعد بيانات للقطاع أظهرت زيادة مفاجئة في المخزونات بما يؤكد على تخمة الإمدادات في السوق. وقال معهد البترول الأمريكي إن مخزونات الخام قفزت بمقدار 9.3 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 28 تشرين الأول (أكتوبر) أي ما يعادل تسع مرات الكمية التي توقعها المحللون في استطلاع أجرته. وبحسب "رويترز"، فقد تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 70 سنتا إلى 45.97 دولار وانخفض خام القياس العالمي برنت 69 سنتا إلى 47.45 دولار ليبلغ كلا العقدين أدني مستوى له منذ 28 أيلول (سبتمبر). وأثر ارتفاع الإنتاج من قبل أعضاء بمنظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" سلبا على الأسعار، وقال بيارني شيلدروب كبير محللي السلع الأولية لدى "إس. إي. بي"، إن لدينا زيادة في الإنتاج من ليبيا ونيجيريا تساعد على إيجاد المزيد من الفائض، وأيضا فإن جميع أعضاء "أوبك" ينتجون قدر ما يستطيعون ليكون لديهم رقم أساسي يتفاوضون انطلاقا منه في اجتماع المنظمة". وكان إيمانويل كاتشيكو وزير النفط النيجيري قد أعلن أمس الأول أن إنتاج النفط تعافي إلى 2.1 مليون برميل يوميا، فيما ذكرت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا أن البلاد زادت إنتاجها إلى المثلين منذ منتصف أيلول (سبتمبر) وتنتج حاليا نحو 590 ألف برميل يوميا. وانخفضت أسعار النفط في الأيام الماضية مع تلاشي آمال بأن يسوي منتجو النفط خلافاتهم ويتفقون على خفض للإنتاج حين تجتمع "أوبك" في 30 تشرين الثاني (نوفمبر).
مشاركة :