نوري المالكي والميليشيات الشيعية لا يريدان للمحافظات السنية أن تتعافى، ولا يرغبان في بسط الأمن فيها، ولا يحبذان منع الإرهاب من اختراقها مجددا، لأن هذا كله يصب في مصلحة العراق.العرب هارون محمد [نُشر في 2017/07/06، العدد: 10683، ص(8)] مازال مسؤول حزب الدعوة نوري المالكي يئن من الأوجاع النفسية والسياسية التي سببتها له الاعتصامات السلمية والتظاهرات الشعبية التي اجتاحت العاصمة بغداد ومحافظات الأنبار والموصل وديإلى وصلاح الدين وكركوك وشمال بابل طوال العام 2013، وكانت المقدمة التي قوضت سلطته ومنعته من نيل الولاية الثالثة. ولأن تلك الاعتصامات قد دللت على رقي السنة العرب وتمسكهم بسلميتها للمطالبة بحقوقهم المغتصبة، فإن المالكي لم يستوعب حالتها الحضارية، لأنه متخلف سياسيا، ولم يهضم أن تحتشد الملايين في الشوارع والساحات العامة، وتعبر عن آرائها بصدق، في حراك شعبي أنيق، حافظ على الأمن العام واحترم القوانين وحمى المرافق الحكومية والممتلكات الأهلية، لم يخرب منشأة ولم يهدم بناية، لم يفزع أحدا، ولم يرعب شخصا، بل إن منظميه كانوا يقدمون وجبات الطعام لوحدات الجيش والشرطة المرابطة بالقرب منهم، وأغلب ضباطها وجنودها استقدموا من محافظات شيعية بقصد إحداث صدام دموي وإشعال فتنة، ولكن يقظة المعتصمين ووعيهم الوطني ونخوتهم القومية فوتت على صاحب صيحة “ما ننطيها” مؤامرته الدنيئة، بعد أن اكتشف العسكريون المرسلون لقمع المعتصمين واقتلاع خيامهم، أنهم يواجهون أناسا طيبين وعزلا، لا يملكون غير أصواتهم الندية وصلواتهم الجماعية، للتعبير عن مطالبهم العادلة، لا مدافع رشاشة عندهم، ولا عبوات ناسفة بحوزتهم، كما زعم وادعى رئيس الحكومة يومها. وإذا كان السنة العرب يفخرون بأنهم أول من أطلق شرارة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الأميركي، وتصدوا ببسالة لقوات الغزو، ووجهوا إليها ضربات موجعة اعترف جنرالات البنتاغون بها، فإن من حقهم أن يضيفوا إلى سجل مآثرهم، صفحات الاعتصامات السلمية وخطب المنصات الوطنية، التي وقف عليها الأخيار، ينادون بالاتحاد والتضامن بين العراقيين، والترفع عن الضغائن والنزعات الطائفية، وحتى هتاف “قادمون يا بغداد” الذي صدحت به حناجر المعتصمين، كان يرمز للأُخوة العراقية الراسخة، والاعتزاز بسيدة المدن وحاضرة العروبة والإسلام، بغداد العباسية، باعتبارها حاضنة العراقيين جميعا، بلا استئثار حزب أو مجموعة أو طائفة بها، وليس كما فسره المالكي وأتباعه المهووسون بالكذب والافتراء. ومن الظلم مقارنة الاعتصامات السلمية بعمليات الغوغاء التي حدثت في ربيع العام 1991، كما طلع علينا المالكي مؤخرا، في ربط سياسي غبي، نسجه عقله المريض، الذي لا يفرق بين اعتصامات سلمية استمرت ثلاثة عشر شهرا دون أن تلحق أذى بثكنة عسكرية، ولم تحدث ضررا بدائرة حكومية، ولم تغتل إنسانا ولم تقطع سبيلا، وبين أعمال عنف قتلت جنودا وضباطا أبرياء انسحبوا من جبهة الكويت متعبين، وقتلت موظفين مخلصين يؤدون واجباتهم في ظروف صعبة، وخربت طرقا ودمرت جسورا ونسفت مستشفيات وعطلت مدارس، وسرقت مخازن الطحين وسطت على مستودعات الأغذية، حتى سيارات الإسعاف الطبي تم الاستيلاء عليها ونقلت إلى إيران كهدايا نصر وعنوان شجاعة. ليس من حق المالكي والميليشيات الشيعية أن يتهما كل من شارك في الاعتصامات السلمية وخطب على المنصات ناصحا أهل السلطة والحكم وداعيا للإصلاح، بالإرهاب والداعشية، وتظل هذه التهمة الملفقة تلاحق الأحرار، وتمنعهم من حضور مؤتمر، يسعى إلى عقده في بغداد، المجتمع الدولي والأمم المتحدة ودول عربية وإقليمية باستثناء إيران، فهذا هو الإرهاب بعينه الذي يخدم بالفعل تنظيم داعش ويقوي شوكته ويغريه على مواصلة انتهاكاته التي اكتوى بنارها السنة العرب أكثر من غيرهم. لقد ثبت بالملموس وعلى أرض الواقع أن حزب الدعوة، جناح المالكي تحديدا، لا يفهم في العمل السياسي، غير اضطهاد السنة العرب والسعي إلى تهميشهم وإذلالهم، والاستمرار في مطاردتهم، وها هو اليوم يعبئ الميليشيات ويحرضها على اعتقال عدد من المدعوين إلى مؤتمر يناقش آليات عملية ترصين السلم الأهلي في المحافظات المتحررة من احتلال داعش، ويبحث عن مصادر تدعم البناء والتنمية فيها، بعد اعتراف الحكومة بعجزها، ويهيئ الأجواء لإعادة الملايين من النازحين إليها، ويسعى إلى خلق أرضية جديدة للمصالحة المجتمعية تقوم على الاحترام المتبادل بين جميع أبناء العراق، والشراكة الحقيقية في اتخاذ القرار ورسم سياسات البلاد بما يؤمن مصالحها، وهي قضايا تضيق وتتضايق منها الأحزاب والميليشيات الطائفية وتعتبرها مانعة لنفوذها ورادعة لسطوها، رغم أن المؤتمر المرتقب هو أشبه ما يكون بحلقة نقاشية أو ندوة بحثية، تتدارس كيفية الخروج من الأزمات التي عصفت بالبلد، وتعمل على منع تكرارها مستقبلا بعد مرحلة داعش. نوري المالكي والميليشيات الشيعية لا يريدان للمحافظات السنية أن تتعافى، ولا يرغبان في بسط الأمن فيها، ولا يحبذان منع الإرهاب من اختراقها مجددا، لأن هذا كله يصب في مصلحة العراق، ويحصن حدوده ويصون سيادته، وآخر المعلومات الواردة من العاصمة العراقية تفيد أن ائتلاف المالكي وقادة الميليشيات المتحالفة معه، هددوا رئيسيْ الجمهورية فؤاد معصوم والحكومة حيدر العبادي من مغبة رعاية المؤتمر أو حضور جلسته الافتتاحية، وظهر زعيم العصائب قيس الخزعلي ورفيقه قائد ميليشيا بدر هادي العامري في تصريحات متناغمة يهددان علنا بعض المدعوين إليه، ويرفضان مشاريع المصالحة التي في نظرهما ترهات سخيفة. الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة واهمة إذا اعتقدت بأن الأحزاب والميليشيات الشيعية في العراق قادرة على نزع ثوبها الطائفي والقبول بالآخر، والدول العربية وتركيا الداعمة للمؤتمر، واهمة أكثر إذا صدقت بأن موالي إيران، أصحاب نوايا سليمة وحريصون على استقرار العراق والمنطقة. وعموما فإن عقد هكذا مؤتمرات، تتحكم الميليشيات في تحديد نوعية المشاركين فيها، وتمنع القوى والشخصيات السنية الفاعلة والمؤثرة من حضورها، وتهدد باعتقال بعض المشاركين في اجتماعاتها، في تحد صارخ للقانون والحكومة معا، لا خير فيه ولا منفعة، ولن يسفر إلا عن ثرثرة فوق نهر دجلة في ليلة تموزية لاهبة. كاتب عراقيهارون محمد
مشاركة :