في ظل الفراغ السياسي ما قبل 2011 التي طالتها ثورة 17 فبراير في ليبيا قفز الإسلام السياسي ممثلاً في جماعة الإخوان المسلمين، الذين التحقوا مؤخرا بالحراك الاجتماعي إلى واجهة الأحداث. ولم يكن ذلك مستغرباً؛ فالتاريخ لا يحتمل الفراغ، وهم وحدهم الذين ظلوا قوة متماسكة؛ بسبب تكتيكاتهم وتحالفاتهم الخفية والمعلنة مع أقطاب التنظيم الدولي للتنظيم. وأيضاً بسبب تحكمهم في مؤسسات العمل الخيري والدعوي، وادعاءاتهم المتكررة بأنهم ليسوا سوى جماعات دعوية، ليس لها مطمع في الحكم! ولكن حينما نتمعن فى المشهد اليوم فسنجد كارثة قد حلت بالوطن سببها هم والتي نجحت فى تحطيم النسيج الاجتماعي الليبي بزرع الفتن والحروب تحت مسميات جهوية وقبلية والتكفير المجاني! عندما اندلعت ثورة 17 فبراير 2011 كان هنالك حراك جماهيري عفوي بالتأكيد، فقد باتت واضحة اليوم أسباب تلك العفوية وما آلت اليه الظروف الحالية ومن أهمها غياب شروط التحول نحو الدولة المدنية، فلا الهياكل الاجتماعية كانت جاهزة، ولا الحياة السياسية مهيأة. فبعد عقود طويلة من غياب الحريات، وتجريف شبه شامل للحياة السياسية ولدور النخب السياسية، لم يكن منتظراً أن يحدث حراك منظم، ينقل الواقع السياسي القائم من الحالة الشمولية إلى حكم الدولة المدنية، وبهذا استغل التنظيم الإخواني ذلك الفراغ بمساعدة دول بعينها بالقفز على السلطة مصحوبة بمشروع سياسي وعسكري له أبعاد استراتجيه أهمها عدم السماح بقيام جيش ليبي وضرب جميع المؤسسات الأمنية بالبلاد لتعم الفوضى وتحلل سرقه الوطن ليتم توظيفها فى مشروعهم الدموي داخل وخارج ليبيا "بيت المال". وكلما تفاقمت الأزمات، فقدت جماعة الإخوان المسلمين نصيباً آخر من شرعيتها، وانتهى بها الأمر لفقدان ثقة معظم قطاعات الشعب. لكن تنظيم الاخوان ظل في حالة إنكار مستمر للأزمة. وفي حالات نادرة يعترف قادتها بوجود ازمة، إلا أنهم يحيلون أسبابها إلى عبث وتخريب من خارج دائرتهم، في غطرسة وتكابر كاذب فاتورته دم ونزيف لا متناهٍ. وبهذا يصح القول إن هنالك إجماعاً وطنياً اليوم على أن المؤامرة قد انكشفت، ويبدو ألا جدال حول أن من كشف المؤامرة هو الجيش الليبي بعملية الكرامة، حيث تداركنا تدريجياً كماً من الشباب ابتلعتهم خدعة الاخوان وزجت بهم في اقتتال داخل البلاد لتقطع أوصال التركيبة الديموغرافيه الليبية وتوطِّن الكراهية حتى تستمر الفوضى وينتعش الظلام. أما بخصوص من يراهن اليوم على الثورة المضادة والحنين الكاذب للماضي فعليهم باليقظة واستشعار خطورة الوضع والإسراع بدمج انفسهم بالمعركة الكبرى على الصعيد الاقتصادي والعسكري والسياسي بتعريفات جديدة تتماشى مع واقعنا ليركز ويتطّلع إلى بناء وطن يسع الجميع لا نازح فيه ولا مهجّر تحت شعار: أنا ليبي. ربما بقي الحل الوحيد، والممكن تطبيقه هو التوجه بشجاعة دوليا دون تمكين الإخوان من تسلم السلطة في ليبيا، وتحقيق آمال الشباب الذين تصدروا المشهد، ذلك بنشوء حركات سياسية قوية داعمة للجيش وقادرة على التعبير عن مصالح غالبية الناس ذلك بتعميم روح المواطنة ودولة القانون، والتبشير بقيم الحرية. المعضلة هنا أن كل ذلك لن يتحقق إلا بعزل جماعة الإخوان من مفاصل الدولة التي تحاول أخونة المجتمع! وإذ اردنا تحقيق النتيجة المبتغاة ليكون هنالك حوار وطني حقيقي ومصالحة حقيقية ذلك بالتأكيد على دور الجيش حتى تنمو فيها روح العطاء والاستقرار والازدهار داخليا لتعكس ليبيا حالتها بطريقه طبيعيه على دول الجوار ومشارف حوض البحر المتوسط. وهذا ما يجب على الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة أن تفهمه للبدء بتفكير جديد خارج صندوق الصخيرات بوضع خارطة مغايرة جوهرها احترام السيادة الليبية ودعم الجيش الليبي الشرعى المنبثق من البرلمان المعترف به دولياً الذي يحارب الإرهاب وينتصر عليه من دونهم. محمود محمد المفتي
مشاركة :