بعض الزعماء العرب من العسكريين الذين استولوا على الحكم على ظهور الدبابات وفي جنح الظلام، أول ما أخذوا يهاجمون فيه هاجموا الممالك والسلطنات والإمارات العربية، على أساس أن ليس فيها ديموقراطية وحكمها حكم وراثي. ودارت الأيام عشرات الأعوام وهم لا زالوا متمسكين بكراسيهم بالحديد والنار والاستخبارات والسجون، والويل كل الويل لمن أراد أن يزيحهم مثلما هم أزاحوا من كانوا قبلهم، غير أن تلك الأعوام الطويلة قد روضتهم، خصوصا أنهم استمرأوا النوم على الحرير، وإذا بهم يلحسون كل ما وصموه بتلك الدول العربية المحافظة من قضية (التوريث). وأول ما بدأ هو (الأسد) الأب، ومثلما يقال: (من سبق لقب)، فبعد (٤٠) سنة من حكمه المتسلط، وإذا به وهو على مشارف الموت ينصب ابنه بشار بكل ديموقراطية مفحمة مضحكة مؤلمة. وكرت السبحة (ومافيش حد أحسن من حد)، فصاحب اليمن هيأ ابنه أحمد، وصاحب العراق هيأ ابنه عدي، وصاحب مصر هيأ ابنه جمال، وصاحب ليبيا هيأ ابنه سيف، وحيث إن صاحب تونس ليس له ابن ذكر، فقد وقف (متبرجلا)، أما صاحب السودان فلا وريث بشكل طبيعي. هؤلاء العساكر الذين يتشدقون بالديموقراطية هم أول من اخترعوا الديموقراطية (المثالية)، وأعني بها ما يسمى بالاستفتاء، أي (نعم أو لا)، وولد أمه الذي يقول لا، لهذا كان عبد الناصر رحمه الله هو أول زعيم في العالم يحصل طوال حكمه الذي امتد (١٦) سنة على نسبة (٩٩,٩,٩٩%). غير أن صدام رحمه الله وما هو معروف عنه من كبرياء جوفاء، كسر ذلك الرقم القياسي غير المسبوق كنوع من التحدي وكسب (الميدالية الذهبية) عندما حصل في الاستفتاء على (١٠٠٫١%) ، وهي نسبة لم يحصل عليها حتى الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم. القذافي رحمه الله الذي لم يترك ملكا ولا أميرا إلا شتمه بأقذع الأوصاف السوقية، تباهى في آخر أيامه وهو صاحب (الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية الديموقراطية العظمى)، بأن يضع على ثلاثة أرباع صدره كل أوسمة العالم، ثم يفخر بأنه أصبح (ملك ملوك افريقيا المتوج). هذا لا يعني أن الممالك والسلطنات والإمارات العربية هي نموذجية، ولكن على الأقل فإن مواطنيها يعرفون من سيأتي، وأنها تتطور بهدوء وبدون ادعاءات. وبعد ما شاهدته من الرئيس (بوتفليقة) وهو يذهب بسيارته لكي يترشح للمرة الرابعة أقول ، ألا يكفيه فخرا أنه قد قضى على الإرهاب، وحكم (١٥) سنة، وهو ليس في حاجة، أإلى هذا الحد. هل الكرسي يأخذ العقول؟! أرجوكم المعذرة فقد خضت في هذا اليوم في مجال غير مجالي، أكيد أنا مخطئ.
مشاركة :