مع المعذرة لـ 88 مفتاحاً! - مقالات

  • 4/1/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يفتتح تولستوي رواية أنا كارينينا قائلاً :«كل العائلات السعيدة تتشابه، لكن لكل عائلة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة».من هذا المنطلق، ومن ميدان هذه الفكرة... ضع كلمة دولة بدلاً من عائلة.والسؤال هل نحن من الدول السعيدة التي تتشابه حكاياتها، أم من الدول التي تملك حكاية خاصة.خط التاريخ الدولي هو خط وهمي على سطح الكرة الأرضية، منه يبدأ اليوم وإليه ينتهي... خط من تلك الخطوط التي تشاهدها فوق الخريطة التي يضعها معلم الاجتماعيات ليقنعك أن العالم يمكن اختزاله في خريطة، خط طولي يتعرج بين الجزر المأهولة بالسكان ليعيش بعضهم اليوم، وبعضهم الأمس بينهما مسافة ملتبسة زمانياً.هكذا الأمر حقيقة وليس تعبيراً أدبياً، هو خط يفصل بين جزيرتين بينهما كليومتر واحد.نحن في جزيرة الأمس، تلك الجزيرة التي تسير من خلال الضغوط، وليس الاستراتيجيات، حسناً... في الواقع ينبغي عليَ أن أعترف أن الجزيرة أطلقت عدداً من الاستراتيجيات في الفترة الأخيرة أكثر من عدد أعمدة مسجد قرطبة، ولكن دائماً هناك ضغوطاً، وهناك مجموعات ضاغطة على المجموعة الضاغطة حتى أصبحت الجزيرة مكثفة في تغريدة 140 حرفاً و«هشتاق»!لقد وصل الضغط لمرحلة أن إمكانية أن ننعم بمشروع ما من دون أن يحرق، تعرض لضغوط كبيرة!إحدى قصصنا الخاصة أننا نملك أكبر عدد من السياسيين في المنطقة بحكم المجلس والدستور، وشكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولكن غالباً أن هؤلاء السياسيين يملكون مهارات استثنائية في قراءة ما ينبغي عليهم قوله لدغدغة ما يريد الناس سماعه، وما بين القول والسماع نتوقف عند خط التاريخ الدولي منهمكين في معايرة بعضنا البعض من الذي وصل الجزيرة أولاً، ومن الذي بصفة أصلية ومن الذي بالتأسيس ومن هو من الدرجة العاشرة، من دون أن نلاحظ أن ذوبان الجليد في القطبين سوف يغرقنا.نزور جزر الغد التي تقع على الساحل الآخر ثم نعود لنتساءل: كيف يمكن حمل مليون وثلاثمئة ألف لا يجيد غالبيتهم السباحة في عالم سائل على قارب واحد؟فتقول لنا مؤشرات الناتج القومي أن هناك جزراً أخرى فعلتها مع مليار شخص بإثنيات وأديان وأصول مختلفة.العالم كله يشتكي من تصاعد الحرارة وأزمة المناخ وانبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، ونحن نعاني من برودة شديدة في الحركة.كتاب «الثورة بلا قيادات» لكارن روس أحد الديبلوماسيين الذين عملوا في المستويات العليا في المملكة المتحدة، وكان يكتب الخطب لاثنين من وزراء خارجية بريطانيا التي تشتبك مع العالم على مدار الساعة، يعتقد هذا الرجل أن النمط القديم لممارسة السياسة حيث كانت الحكومة تضغط زراً لإحداث نتيجة معينة بات بالياً، فالحكومات لم تعد قادرة على معرفة النظام إلا لاحقاً. ويعتقد أن الحل يكمن في اعتبار الطبقة السياسية جزءاً من المشكلة وليس الحل، فحتى الساسة يشكون من السياسة والسياسيين.إنه يدعو لتحرك قائم على معايير الاستيعاب والاحترام واللاعنف وإتقان فن إصغاء البعض إلى البعض الآخر واتخاذ القرارات الحاضنة لمصالح الجميع... وهذه أمور قد تأخذ وقتاً طويلاً، ولكنها الحل الوحيد في ظل عالم معقد ومتشابك جدا للدرجة التي جعلت السلطة التي يفترض فيها أن تفرض النظام والاستقرار وتؤبدهما قد تكون دائبة فعلاً على تنفيذ عكس ذلك.يقدم أربعة أفكار مهمة للنهوض، أولها أن تحركاً واعياً لفرد واحد أو مجموعة صغيرة لحل مشكلة أو لعمل مبادرة في عالم متشابك سيؤثر في النظام بسرعة فائقة، الفكرة الثانية أن صنع القرار يكون بالترابط والنقاش مع أكثر الناس تأثراً وليس الأكثر تأثيراً، والفكرة الثالثة والمهمة هي أن الأفعال لا الأقول هي المقنعة فرغم أن وسائل التواصل الاجتماعي من شأنها أن تنظم وتثقف جماعات أكبر بطرق غير مسبوقة، إلا أنها تشكل هدراً ما لم توظف لخدمة هدف معين لممارسة فعل معين، والفكرة الرابعة هي أهم الأفكار بالنسبة للكاتب وهي فكرة الوكالة وسلطة حسم الأمور بأنفسنا وليس من خلال نخب مثقفة غير منتجة، الوكالة ألا نكون منفصلين عن القرارات الأكثر أهمية بالنسبة إلينا، لقد أصبحنا متفرقين ومغتربين وهذا أسهم في ترسيخ السأم إزاء الحياة الحديثة.باختصار الرجل يدعو لمنهج تشاركي وسلطة للمبادرات الفردية التي تأخذ في اعتبارها كل الكائن وكل الكائنات...لقد سمعت هذا الكلام من رجل آخر منذ سنتين، وكان أكثر دقة واستيعاباً لأمور الجزيرة ولكن الجزيرة نفته إلى جزيرة الغد.بالتأكيد نحن من الجزر التي تملك قصصاً خاصة تنسجها جماعات الضغط، والجماعات التي تضغط على جماعات الضغط.للبيانو 88 مفتاحاً مصنوعا من عاج الفيل.هذه المفاتيح متصلة بمطارق وعند الضغط على المفتاح، يدفع المطرقة التي تقوم بدورها بضرب الأوتار وهذا ما يحدث أصواتاً مختلفة.في الجزيرة المطارق هي من تضغط على المفاتيح، فينكسر العاج ولا يصدر إلا صوتاً واحداً!كاتب كويتي@moh1alatwan

مشاركة :