قصيدة خلود بلاغة المعنى وسلاسة الإيقاع

  • 11/5/2016
  • 00:00
  • 145
  • 0
  • 0
news-picture

يكاد الشاعر الدكتور محمد العمري لا يترك موقفاً نبيلاً، أو موقفاً يحمل مأثرة إنسانية، إلا ويسجله شعراً، من هنا امتاز شعره بأنه سجل حافل بالمآثر الإنسانية، وباللحظات البشرية المؤثرة، وهذا دال على حساسية مرهفة في التعامل مع تلك المشاهد، وبراعة في تسجيلها في أبهى حلة، ولعل قصيدة خلود التي تقدم لنا مشهداً أصيلاً من مشاهد تربية الأطفال في مجتمعنا، تقدم لنا صورة واضحة عن ذلك، فالشاعر يصور لنا إصرار الطفلة (خلود) بطلة القصيدة على رفض أخذ العيدية من الشاعر، وهي الطفلة التي لم تتجاوز الخامسة من عمرها، ولما ألحّ عليها أخوها مجاملة للشاعر كي تأخذ العيدية قبضت يديها وضمتها إلى صدرها، وبكت بدموع غزار، فعبّر الشاعر عن هذا الموقف بقوله: ترقرق دمعها في مقلتيها فبلّت بالمدامع وجنتيها بكت لما بسطت لها محبّاً يدي لكنها قبضت يديها يتناغم هنا المبنى والمعنى في تصوير أنفة تلك الطفلة، وصحة تربيتها من أسرتها، فالفعل (ترقرق) عندما اقترن بالدمع، أوحى بسلاسة وببراءة، فهو منساب على الخدين من دون تصنع، بعفوية الأطفال وصدقهم، وهذا ما منح الموقف طاقة تعبيرية مؤثرة في المتلقي، كما أن الدمع/ البكاء وهو أداة الأطفال الأهم في التعبير عن اعتراضهم ورفضهم، كانت في مواجهة فعل حسن، فالشاعر أبكى الطفلة من حيث كان يقدر أنه يسعدها، فكل الأطفال يفرحون بالعيدية، ومن جاء عبارة ( قبضت يديها) لتؤكد رسوخ القيمة الاجتماعية عند الطفلة التي لا تريد المال في سياق التعبير عن عزة أصيلة مكتسبة من التربية الأصيلة، ومن لا غرابة أن يسجل الشاعر موقفاً مكملاً اتخذته الطفلة خلود: وقد نظرت إلي خلود شزراً وعزة نفسها في ناظريها تقول بدمعها والليل يصغي لما قالت بمنطق مقلتيها أنا بنت الأكابر ليس يرضى علاها أن تمدّ يداً إليها اللافت هنا، أن الشاعر هو الناطق المعبر عن دلالة الدموع، فالطفلة أرسلت دمعها على سجيته، والشاعر بدا يستقري دلالات الدموع من دون أن تنبس الفتاة بأية كلمة، فلاحظ أن الدمع دال على عراقة الأسرة التي تغرس قيماً نبيلة في بنيها، ولعل من أوضحها أن منطق الدمع يقول أن الأنفة والعزة تمنع تلك الطفلة ذات النسب الأصيل والعريق من أن تمد لها يد بالعطاء، فقيمة النبل وقيمة العزة تجعل في النفس أنفة شبه غريزية، تحول دون قبول العطاء، ولو كان عيدية مفرحة للطفل في كل مكان وزمان. ومن هنا لاغرابة أن يجد الشاعر المسوّغ المنطقي والشعري لموقف الطفلة خلود، فيقول: ولا عجب فتلك خصال عزّ أتتها من أصالة والديها أعيذك يا صغيرة باسم ربّ يقيها من نواظر حاسديها فالشاعر لا يستغرب هذا الموقف من تلك الطفلة، فهذه صفات غرسها فيها والداها، فباتت قيماً موروثة، فيأتي الدعاء لتلك الطفلة التي لم يمنعها صغر السن من أن تتخذ موقف الكبار فيه، ذاك الدعاء الذي يصونها من شر الحاسدين ويعبر عن إعجاب كبير من الشاعر لها. لقد جاءت معاني الشاعر منسجمة مع تفعيلات البحر الوافر ذي الحركات المتلاحقة، فكانت كلمات الشاعر دفقات متلاحقة تظهر في الإلقاء، يختمها الشاعر بحروف روي مطلقة التزم فيها الشاعر بما لا يلزم من خلال تماثل نهايات قوافي الأبيات بثلاثة أحرف (الياء والهاء والألف) (وجنتيها، ناظريها، مقلتيها ) وهو ما أعطى المعنى عمقاً إنشادياً منح الإيقاع سلاسة إيقاعية تناغمت مع المعنى، وأسهمت معه في استماع القارئ بالنص، وبحسن تلقيه معنى وإيقاعاً.

مشاركة :